كتبت – دعاء الفولي:
رفع يده أمامه، أمعن النظر في أصابعها الخمسة، حرك أحدهم فجأة، فتبعته بقية الأصابع على غير هدى، تهتز لحركته السريعة، إصبع واحد منهم صاحبه في أكثر من انتخابات واستفتاء. كان قبل يناير 2011، لا يستطيع إليها سبيلًا، إلا من شاشة صغيرة، تنقل له ''رئيس'' يضع ورقة داخل صندوق، يعلم النتيجة مسبقًا، أصبح لإصبعه مهمة ضخمة إذن، غمسه في حبر فوسفوري تعني أنه شاهد على الديموقراطية، يذكر انتشاءه به، صورته معه لأول مرة على موقع ''فيس بوك''، لا ينعته أحدهم بعدها بالمجنون، فالجميع يفعلون مثله، لونه ''الزهري'' الذي سرّ المصوّتين، إظهاره إياه بإكبار لمن هم وقوف على باب اللجان، لم يريد للحبر أن يختفي أبدًا، لولا أن شيمة الأشياء الجميلة الزوال.
خفت بريق ''الإصبع''، ضاق براح حريته، أضحت العملية الانتخابية حملًا ثقيلًا على كاهله، سيُغمس هذه المرة في حبر انتخابات البرلمان نوفمبر2011، بينما تخضب دماء من سقطوا في أحداث ''محمد محمود'' الأرض، لا يُصالح هو ذلك ''الإصبع'' الذي ضغط زناد السلاح بميدان التحرير، لا ينسى ال''جدع يا باشا''، عين ''أحمد حرارة'' التي فُقأت، والذين قيل عنهم ''يسقط كل من خان''، فعلوا ذلك لا لشيء إلا ليغمسوا أصابعهم بالحبر، ثم يندفعون من اللجنة طربًا بدوران ''عجلة الإنتاج''.
للإصبع في وجعه شئون، ليس الدم عنده أعظمها، نوره الذي انطفأ بعد المرة الأولى انتظارًا لحياة اليوتوبيا، عمل أفضل، مسكن ذو رحابة، تسع أجساد أسرة سمعت يومًا أن ثورة يناير خرجت لأجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية؛ فعلمت أن أقصر طريق هو انتخابات يربح فيها من يهتمون بـ''الغلابة''، إلا أن الصندوق لم يأت بخير، استفتاء وانتخابات، يعقبهما تعديل، ثم لا شيء، سوى وعود جوفاء بحضور العناصر الثلاثة يومًا ''المسألة محتاجة شوية وقت''، وعلى المتضرر الهروب من الدولة، الانتظار أو الانتحار.
الأصابع الأخرى الموجودة بيده، يعرف دورها جيدًا، تُلقنه الدولة أن أربع أصابع معًا تعني ''الإرهاب''، ثلاث ترمز إلى ''الخيانة''، أما إصبعان فهما علامة ''النصر''، تتلاعب بعقله، لا تفقه الدولة أنها _في النهاية_أصابع، لا تقتل أحدًا، لا توشي بأسرار، لا تصطنع الفتن، ولا تبني نصرًا، عظم يكسوه لحم، يبلى بفناء الجسد، الإصبع لا يجعل أحدهم يلحق بقطار الديموقراطية، مجرد رمز لا يغني ولا يُسمن من جوع، لكنها علّمته أن الإشارات ترفع أحدهم عاليًا، أو تأخذه للبدروم السفلي من صرح سياستها.
اقتربت انتخابات الرئاسة الثانية 2014، الحيرة لا تترك الإصبع، أيتسمّع للأصابع الممتنعة عن غمس أنفسها بالحبر، إذ يوحي لها صاحبها أنها ''مسرحية''، أو يلجأ لعصر ''الليمون''، كما فعل الآخرون في انتخابات 2012، أم يلهث وراء الصندوق، آملًا أن تربت نتائج الانتخابات على كتف صاحبه الذي طال انتظاره لفترات يكسوها هدوء، فلا يُسميها أحدهم ''فترة انتقالية''، لا يشعر الإصبع بالأريحية، ثمة تنافر بينه وأصدقائه في اليد الواحدة، كسر لن تجبره انتخابات، يرى أنه أعلم منهم، ويعرفونه هم جاهلًا، وصاحب اليد لا يعبأ، يستخدمهم كما يشاء، يضغط بهم على الزناد ليقتل، يضعهم في حبر، أو يرفع بهم إشارة، بينما لا حول لهم ولا قوة، تجمعهم اليد، مُجبرين على التعايش سويًا دون شروط معينة
حسام عيسى: كيف يمكن طرح الديمقراطية في دولة تعاني من الانهيار؟