كتبت-رنا الجميعي :
تتعلق أعين الفتى الصغير بشاشة كبيرة مُظلمة في الوقت المخصص للسينما بالإعدادية، سرعان ما تنفرج شفتاه عن ابتسامة ما إن تُضئ الشاشة مُعلنة عن فيلم جديد، ليبقى السؤال المُسيطر على تفكيره "هي الصورة بتيجي منين؟"، وتجذب الفتى الصورة أكثر فأكثر "لحد ما بقيت تحتها والمدرس قاللي اطلع برة".
منذ سن السابعة ويلازم "خالد حسين"، ملحق دبلوماسي بوزارة الخارجية، شاشة السنيما التي لم تبخل عليه يومًا بالحكايات "أول مرة اتفرجت على فيلم كان "بودي جارد" لويتني هيوستن وكيفين كوستنر، روحت مع أهلي"، عقل الطفل الذي أصبحت لديه مشاهد الأفلام كعوالم جديدة لم يتعرف عليها بعد، جعلت "خالد" لم ينس تفاصيل من الفيلم الأول المحتفظ به ذاكرته، وقد أَرْعَبته وقتها "في أول الفيلم بتظهر لعبة على شكل ويتني هيوستن وتنفجر وكنت وقتها مهووس بالألعاب".
لم ينحو والديه سلوك غالبية الأسر المصرية التي تنبه أطفالها على أن الدراسة في المُقدمة فقط ولكن وقته أصبح بين الدراسة ومشاهدة الأفلام، وعلى العكس كانت أسرة "خالد" هي التي تشجعه على "الفرجة"، "بابا كان بيحكيلي عن الأفلام القديمة اللي شافها لحد الأوسكار اللي فات".
"فريدوووم".. كانت صرخة الممثل "ميل جيبسون" في فيلمه الأشهر "القلب الشجاع"، صرخة الحرية هذه التي سعى لأجلها "خالد" دون الالتفات لامتحاناته وواجباته الدراسية "كنت هنطرد من البيت بسبب الفيلم دا".
يتذكر "خالد" كطالب بالمرحلة الإعدادية في أوائل التسعينيات مغامراته مع شرائط الفيديو وقتها التي كانت المنفذ الوحيد لديه لمشاهدة الأفلام الجديدة والذي يذكر أسعارها حتى الآن "الفيلم كان باتنين تلاتة جنيه، وخمسة جنيه لو فيلم ديزني أما المسرحية العربية تعمل 30 جنيه"، وبالرغم أن والدته طاوعته على شراء الأفلام أسبوعيًا واصطحبته إلى نادي الفيديو لتأجيره، لم يمتلك الفتى الصغير شريط فيديو واحدًا، ويقعد في انتظار أصدقائه العائدين من الخليج ليستعير الشرائط منهم.
ولأن عوالم الأفلام ليست بعيدة تمامًا عنّا، صاحب "خالد" مدير نادي الفيديو، وهو أشبه بما حدث في فيلم "سينما باراديسو" الإيطالي حينما رافق الطفل "توتو" العامل بالسنيما "ألفريدو" "كان على ضهر كل شريط فيديو ملخص للفيلم، صاحب النادي كان بيخليني أقعد بالساعات في النادي أقرا أغلفة الشرايط وأختار منها".
قدمت الألفية الثالثة على "خالد" ولم يكن قد امتلك "دش" لمشاهدة الأفلام، ومع شلة الأصدقاء كانوا ينظموا ما أشبه بالرحلات للمقهى، حتى يُشاهدوا الأفلام الجديدة.
في المدرسة استطاعت الأفلام أن تثبت جذورها في قلب "خالد" أكثر، هناك حصة مخصصة للسينما و من خلالها شاهد "خالد" أفلامًا كثيرة، أما في الثانوية عكف خالد على شراء مجلة "أخبار النجوم" وجذبه إليها مقالات "رفيق الصبان".
أثرت الأفلام بشكل كبير على الشاب الذي شارف على الثلاثين، فاللغة الإنجليزية التي ظل يسمعها منذ أن كان صغيرًا، انطبعت بعقله حتى واتته الدراسة لتعلمها بشكل أكاديمي ليصبح أكثر استيعابًا لها.
لم يخطر ببال "خالد" بعد انتهاء مرحلة الثانوية أن يدرس شيء له علاقة بمجال الأفلام "المدرسة مكنتش بتساعد الطالب إنه ينمي موهبته ومفيش في مصر فكرة الاستشارة اللي موجودة في العالم"، ويتمنى الفتى المُحب للسينما أن يعمل بمجال الأفلام الوثائقية "نفسي يبقى فيه مسار أساسي لتحويل الكتب لأفلام".
بمرور الوقت قام "خالد" بجانب مشاهدة الأفلام بقراءة أنواع عديدة من الكتب منها الكتب النقدية "فكرة العبودية مثلًا لما أشوف فيلم ليها أحسن من إني أقرا تلات كتب لجلال أمين"، لم يزل تأثير الأفلام على مُحب السينما نفسه بعد مرور أكثر من عشرين عامًا على تعلقه بها، والذي يتعامل مع الأفلام كورقة شفافة ينطبع بها إحساسه، يذكر جيدًا ماهية شعوره بفيلم "صيد النوايا الحسنة" وكيف تخيل مهنة المحاماة بمصر كما كانت بفيلم "حان وقت القتل".