
إعداد - نيرة الشريف:
في الثالث من مايو.. يحيي العالم اليوم العالمي لحرية الصحافة.. هاهنا في هذه البقعة من العالم.. التي يُقتل فيها الصحفيين برصاص مجهول أثناء تأديتهم لمهام عملهم في تغطية المظاهرات وأماكن الاشتباكات، ولا تستطيع تحديد من هو الذي أطلق الرصاص علي وجه الدقة، هل هي الداخلية التي تبطش بكل من أمامها، أم هو متظاهر غاضب، في المنتصف بين الطرفين يقف الصحفي الذي لا يتلقي أي حماية تمكنه من الحفاظ علي حياته في مواجهة هذا ولا ذاك..
ها هنا مصر.. حيث يقضي الصحفيون سنوات طويلة مضنية في عمل جاد، دون أن يُضمن لهم أن مؤسساتهم سوف تكلل تعبهم هذا بعقد رسمي يشهد أنه يعمل لديها، وأن بينهما علاقة عمل ''موثقة'' تُقنع نقابة الصحفيين بقبول أوراقه لديها كعضو بها، وفي هذه المعادلة المختلة يقف الصحفي في المنتصف بين رغبته في إرضائه لمؤسسته وبين النقابة التي لا تساعده ولن تحميه إذا حدث له أي مشكلة مع مؤسسته ولا مع رجال الداخلية ولا مع السلطة، ولا إذا أصابته رصاصة ضلّت طريقها الحائر إليه، سوي مزيد من الوقفات الاحتجاجية والكلمات الهادرة.
في الثالث من مايو كان الحل الأنسب أن يكتب الصحفيون بأنفسهم رسائلهم في اليوم العالمي لحرية الصحافة عن ''حرية الصحافة'' تلك التي يحتفل بها العالم، في هذا الملف يكتب صحفيون تحت التدريب وصحفيون نقابيون وصحفيون بمواقع إلكترونية ( ليس من حقهم الحلم بدخول نقابتهم) ومصورون صحفيون عن ما تعرضوا له مع حرية الصحافة.
''كل ما أتمناه أن أستطيع ممارسة عملي''
خلال العام الذي عملته في الصحافة كل ما تمنيته أن أستطيع ممارسة عملي، أن أنشر أي معلومات تثبت إدانة أي فاسد يفسد في بلدي، أو يدمر حياة أبناء وطني، وأن أشعر أن مهنتي تعطيني الأمان لكي أكون قادرة على ذلك.
حرية الصحافة التي عرفتها من خلال عملي في الصحافة ما هي إلا الضمانات التي لابد أن يمتلكها الصحفي لكي تمكنه من أداء مهام عمله، وذلك لن يتم بسهولة إلا بعد إيجاد دستور صحفي لحماية الصحفيين، يضمن له أن يعبر عن وجهة نظره ويكتب مقالات بحرية تامة، وأن يهيأ له مناخ جيد يؤدي خلاله المهام المنوط به إتمامها لدي مؤسسته دون عقبات لا لزوم لها سوي في أذهان المرتعدين والخائفين، الحرية التي تتيح لي أن أحصل علي المعلومات التي أحتاجها دون معاناة- من خلال قانون ينظم حرية تداول المعلومات- وأن تمتنع الحكومات عن التستر علي قضايا الفساد ومنع نشرها أو حظر النشر فيها.
مروي جمال عبد الهادي، صحفية ميدانية غير معينة باليوم السابع
''سأتحدث عن حرية الصحافة إذا استطعت تجنب كل هذا..''
ثمان سنوات من العمل في الصحافة ستجعل من الصعب التعبير عن حرية الصحافة في مصر في عدد محدود من الكلمات.
حوالي ساعة وأنا أبحث عن كلمات لا تُغضب مصدري الرسمي، فيمتنع عن مدّي بالأخبار في ظل عدم وجود قانون لحرية تداول المعلومات، كلمات لا تُغضب الشرطة فتعتقلني أو تهشم معداتي أو تطلق عليّ الرصاص، ولا تثير شكوك المتظاهرين تجاهي فأتعرض للاعتداء في أقرب مظاهرة، ولا تعتبرها المؤسسة العسكرية تدخلا في شؤونها فأخضع لمحاكمة عسكرية.. ولا تُغضب رئيسي في العمل.. ولا تُغضب ممول الصحيفة، ولا تُغضب هؤلاء الذين يفتشون حسابي علي ''فيس بوك'' ويسألوني عن آرائي الشخصية خلال أول مقابلة عمل جديد.
محمد علي الدين- صحفي ومصور حر
حرية الصحافة يحددها توجه المؤسسات
من خلال سنوات عشر أعمل خلالهم بمهنة الصحافة، تكونت لدي قناعة مبكرة، أن السياسة التحريرية هي أحد أهم العوامل، التي تدير حرية الصحفي في الكتابة، فأحيانا ما يتم استبعاد موضوعا كتبته، أو أن يتم تهميشه دون أن يواجهك مديرك بأسباب واضحة، وهنا يقع الصحفي في أزمة مع نفسه، متسائلا: هل تحتاج المؤسسة التي أعمل بها إلى كتاباتي .. أم أنا من يحتاج المؤسسة لاستكمال مشواري المهني؟.
وعلى عكس كثير من الزملاء، يرون أنه لابد لتوجهات المؤسسة أن تبتعد عن المادة المكتوبة، فأجدني متصالحا مع ما يدور في خلفية إدارة المؤسسات، لكني أيضا مقتنع بوجود هامش داخل كل مؤسسة.. هامش يتيح للصحفي أن يعمل دون اصطدام مع خط تحريري لا يتوافق مع قناعاته، فطوال الوقت، هناك مساحات للبقاء والمقاومة من الداخل، إذ ستظل المؤسسة في حاجة دائمة إلى الانفراد، واللغة السليمة، والأفكار المميزة، وهي العناصر التي قد تمكن الصحفي من فرض وجوده، والبقاء في رحلة تفاوض دائم بينه وبين المؤسسة، هذا بعيد عن الخيار الأهم، وهو الانتقال من مؤسسة إلى أخرى.
عبدالرحمن مصطفى، صحفي نقابي بجريدة الشروق– قسم التحقيقات
أين حرية الصحافة؟
من خلال تجربتي الصحفية أري أن حرية الصحافة هي شيء لابد منه ولكننا نري أنه علي مدار الأعوام الثلاث الماضية، وتحديدا بعد اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير، أن الحكومات المتتالية لم تضع أي ضمانة ل ''حرية الصحافة'' تلك.
وهو ما يثير داخلي التساؤل الطبيعي هاهنا، من المسؤول عن خرس ألسنتنا كصحفيين هل الحكومة أم المؤسسات التي نعمل بها، وللأسف الإجابة التي يعكسها واقع العمل أن الاثنين متورطين في الأمر، وهو ما يتضح بدوره في قتل الصحفيين والإعلاميين في الشوارع وفي الاعتصامات، وأثناء تأدية عملهم من اعتقال وتكميم أفواه ومنع مقالات وتعقب وإغلاق للصحف.
فنحن أمام من يريد تأميم الحياة كلها لصالحه بما فيها تأميم الإعلام ولا يريد أن تخرج أي صورة ولا أي كلمة إلا من خلاله شخصيًّا أو من خلال مؤسساته وأذرعه الإعلامية..الآن فقط نذهب إلي المحاكمات لنجد القاضي يمنعنا من تسجيل أو تدوين ما نراه إلا الذي يريد هو إظهاره، وإن رفضنا يكون مصيرنا الحبس.. فأين الحرية تلك إذن؟.
صحفي ميداني غير معين بمؤسسة اليوم السابع
''حرية صحافة أزاى؟ والديسك بيزود ويقلل في الشغل؟!''
بعد نحو ستة أعوام من العمل الصحفي، أستطيع القول أن حرية الصحافة في مصر تخطو بثبات وتؤدة نحو التهميش واللا مهنية، وعدم تقدير المجهود المبذول من جانب القائمين على العمل الصحفي خاصة الإلكترونية منها.
في المؤسسات كافة سواء المطبوعة منها أو الإلكترونية نادرًا ما يُنشر النص الذي يقدمه الصحفي كما هو دون حذوفات، بل وفى كثير من الأحيان -ومن خلال تجربتي الشخصية- يضيف رئيس القسم أو المراجع أو من يتولى مهمة النشر بعض السطور أو الفقرات للموضوع ''من وجهة نظره الشخصية''، بمعزل عن وجهة نظر الكاتب وكأن النص الصحفي مفتوح لكل من يريد التعديل والحذف والإضافة دون احترام لصانع الخبر أو التحقيق.
وعلى مستوى التعامل مع الجهات الخارجية وأيضًا عن تجربة شخصية، يضطر الصحفي لشتى أنواع التحايل للحصول على معلومة موثقة من مصدر رسمي –في ظل غياب قانون حرية تداول المعلومات- خاصة إذا كان المصدر تابع لجهة سيادية أو مصدر رفيع المستوى، وأحيانًا يرفض المصدر التصريح بالمعلومة أو ينفى حدوثها رغم تأكد الصحفي من صحتها بطرق أخرى، وهكذا تظل المعرفة المعلوماتية محل شك وريبة ورهن قدرة الصحفي على التحايل والتسلل للحصول عليها، وبعد ذلك تُبقيه قيد المساءلة القانونية لأن حرية الصحفي في النشر محددة ومقيدة بالابتعاد عن مواضع ساخنة شائكة تختلف باختلاف خطة وأهداف وتوجه النظام الحاكم.
هبة أحمد، صحفية بموقع كايرو بوست الإلكتروني
وهم يدعي حرية الصحافة.. في ظل غياب قانون ''تداول المعلومات''
بدأت رحلة المعاناة والبحث عن المتاعب في بلاط صاحبة الجلالة، حيث عملت صحفيا للتحقيقات الميدانية، منذ 6 أعوام تقريبا، حينها كنت مبهورا كأبناء جيلي، بكبار الصحفيين والكتاب الذين يحتلون صفحات الجرائد وأود لو أنني التحقت للعمل في مؤسسة صحفية كبيرة حتي يلمع اسمي مثل هؤلاء، فضلا عن أداء دور أخر أكثر أهمية، وهو كما تعلمنا في أساسيات الخبر الصحفي يتمثل في القيام بتوعية وتوجيه الرأي العام.
هنا كان لابد من تحمل أي عواقب أو مطبات تواجهني في الوصول إلي هذا الهدف السامي، الذي يساعدني عليه أن ألتحق بصحف أو مجلات لا سقف لها أو خطوطا حمراء أو تابوهات تقيد حريتها في النشر، ولكن الواقع والمطبخ الصحفي كان أكثر سوءا، ففي ظل غياب قانون يسمح بحرية تداول المعلومات أمام الصحفي، كثيرا ما كنا نصطدم بمحطات وقضايا ممنوع الاقتراب منها أو التصوير، تحت دعاوي ''أمن قومي'' أو ''أوامر عليا'' أو ''حظر النشر''، فنتراجع حتي لا نفقد مواقعنا في تلك الجرائد أو نبدأ من نقطة الصفر في أماكن أخري، فضلا عن تعرضنا لمحاكمات وعقوبات تصل احيانا بنا إلي السجن، بعد مصادرة النسخة المطبوعة من صحيفتي لم يعد بإمكاني أن ألتحق بنقابة الصحفيين ببلدي وأنا أعمل في الموقع الإلكتروني للصحيفة.. دعونا نتحدث عن حرية الصحافة في ظرف أفضل من ذلك!.
ربيع السعدني-صحفي بقسم التحقيقات بالموقع الإلكتروني لجريدة الوادي
الصحافة.. الحرية في أي تختار نهايتك
'' حرية الصحافة اليوم هي حرية الصحفي في اختيار، فلم تعد حرية الصحافة هي حرية الحصول على المعلومة فقط، كما كنا نطالب قبل ثورة يناير وبعدها، فمصر دولة ليس بها قانون مُفعل لحرية تداول المعلومة للصحفي، لذا فالعمل في صحافة التحقيقات عموما والتحقيقات الاستقصائية بصفة خاصة هو درب من دروب العذاب في بلدنا، فالمعلومة التي يمكن أن تحصل عليها في 10 دقائق تلهث خلفها بالأسابيع وربما بالشهور حتى تستطيع توثيقها
أصبحت حرية الصحافة اليوم تحمل معنى مختلف تماما فهي حرية بأي طريقة يريد أن ينهي الصحفي حياته.. مسحولا يروي دمه الأسفلت، أو مضروبا بالرصاص أم محترقا بقذائف أم مسجونا خلف القطبان، أصبح النوع الوحيد من الحرية للصحفي هي حريته في طريقة اختياره لنهايته، وعليك أن تختار قاتلك أيضا فأما أن تموت برصاص الشرطة التي تظنك أحد المتظاهرين الذين يطلقون النار عليهم، وأما أن تموت حرقا بيد المتظاهرين، الذين خوّن نظامهم كل صحفي وإعلامي وأحل دمه.. أصبحت أسمع من البسطاء في الشارع كلما علموا أنني صحفية هذا السؤال بكل عفوية ''ليه يا بنتي بتشتغلي الشغلة الصعبة دي ؟ دانتوا بتتبهدلوا اوي في الشارع؟''.
صفاء صالح صحفية بجريدة المصري اليوم
أن تكون صحفيا يعني مواجهة الموت من أطراف مجهولة
أكتب هذه السطور وأنا أتذكر شهيدة الواجب ميادة أشرف، وغيرها من زملائي الذين قدموا حياتهم ثمناً من أجل سطور يقرأها البعض.ففي الآونة الأخيرة أصبح القمع يمارس ضد الصحافي أثناء خروجه للشارع ليواجه الموت من أطراف مجهولة.
يتضح ذلك قليلا من خلال فترة قضيتها كمراسلة مستقلة تنقلت فيها بين عدة مؤسسات أجنبية و محلية، فبالرغم من ابتعادي عن تغطية القضايا السياسية معظم الوقت إلا أن مجرد سماع أي مصدر اسم المؤسسة التي أقوم بالتغطية لها، كان يثير ردود أفعال غاضبة وعدائية تتهمني بالانتماء إلي فصيل سياسي معين تبعا لانتمائي للمؤسسة. الأمر الذي أثر على عملي بشكل سلبي ومباشر ودفعني للوقوع في دائرة الخطر عدة مرات.
قد يكون الاضطراب الأمني والسياسي ساهموا بجزء كبير في خلق هذا السلوك العدائي بين الصحافي والمواطن، قد تكون الصورة التي نقرأ من خلالها عناوين الأخبار التي أصبحت تُستخدم كأداة لترويج أفكار وأيدولوجيات خاصة نجحت في تحقيق ذلك. لكن في نهاية الأمر يجب أن لا نقوم بمحاسبة الصحافي كجزء من الصراع، يجب أن نقدس الدور الذي يقوم به ومدى الكلفة التي يتحملها لكي ينقل لك كقارئ هذه السطور..!.
منن خاطر صحافية مستقلة – 4 سنوات
صحفيون ينظمون وقفة السبت أمام النقابة في اليوم العالمي لحرية الصحافة