كتبت - دعاء الفولي:
كانت الهمهمات تتردد على ألسنة أهالي الضحايا، يُكذب بعضهم ما قيل عن انتشال جُثث ذويهم، تدقق أعينهم في الأجساد التي تنقذها الفرق من البحر، يعلوا نحيبهم عندما يتأكدون أن من اُخرجوا هم أبناءهم، ومع النحيب يأتي الغضب، بحثًا عن المتسببين في الحادث، تُجمل الحكومة الحقائق أو تُغير فيها، سفينتان في دولتان تفصلهما مئات الأميال، مصر وكوريا الجنوبية، لا تختلف مشاهد الفقد رغم اختلاف السنين، لكن ما تباين هو رد فعل الحكومة المصرية ونظيرتها الكورية.
في السادس عشر من إبريل الحالي غرقت العبارة ''سيوول'' وعلى متنها 476 راكبًا بكوريا الجنوبية، من ضمنهم أكثر من 300 طالب كانوا برحلة مدرسية، وبينما تأكد وفاة 187 شخص، لازال 115 منهم في عداد المفقودين، بعد مرور 11 يومًا من غرق العبارة، وغضب أهالي الضحايا لأن الحكومة لم تفعل ما بوسعها لإنقاذ ذويهم، وتباطؤ الجهات المعنية بالإنقاذ وبعد زيارة رئيس الوزراء ''تشونج هونج وون'' لآباء الضحايا الذين استهجنوا وجوده، ورشقه أحدهم بزجاجة مياه، بينما صفعه آخر على وجهه؛ قدم استقالته قائلًا ''صرخات آهالي الضحايا لازالت تطاردني في الليل'' متحملًا المسئولية كاملة.
قامت الحكومة الكورية باعتقال 15 من طاقم العبارة الغارقة من ضمنهم قبطانها وفريق القيادة، واتهم النائب العام هناك أفراد الطاقم المقبوض عليهم، أنهم فشلوا في مساعد الركاب وأهملوهم، واهتموا بأنفسهم فقط.
''السلام'' المصرية
في الثاني من فبراير عام 2006 غرقت عبارة ''السلام'' العائدة من ميناء ضبا بالسعودية وعلى متنها أكثر من 1300 مصري وما يقارب 100 شخص من طاقم السفينة، كان ذلك على إثر اشتعال محرك السفينة، ورغم تضارب الأقوال عن سبب الاحتراق إلا أن فرق الإنقاذ داخل السفينة فشلت في السيطرة على الحريق، مما أدى لانقلابها في النهاية، ظلت عمليات انتشال الجثث من البحر الأحمر عدة أيام، وسط حالة من الهلع والغضب لأهالي المفقودين.
تحدثت الحكومة المصرية عقب الحادثة برئاسة ''أحمد نظيف'' عن تعويضات لأسر الضحايا، بلغت 30 ألف جنيه لأسر المتوفي، و15 ألف لأسرة المصاب، لم يقلل ذلك من غضب الناس، حيث اتهموا الحكومة برد فعل بطيء على الكارثة، فالسفن المصرية لم تصل موقع غرق العبارة إلا عقب عشر ساعات من الحادث، وجهت النيابة أيضًا ل''ممدوح إسماعيل'' مالك العبارة وابنه ''عمرو إسماعيل''، و''ممدوح عرابي'' و''عماد أبوطالب'' مديري أسطول الشركة و''نبيل شلبي'' مدير فرع الشركة بسفاجا و''صلاح جمعة'' قبطان العبارة سانت كاترين التهم بالقتل الخطأ، وبعد عامين من الجلسات في قضية العبارة، تم تبرئة ''إسماعيل'' من التهم الموجهة إليه، بينما حوكم القبطان بالحبس 6 أشهر مع غرامة 10 آلاف جنيه.
لم تكن مأساة العبارة هي الوحيدة بمصر، فعام 2002 احترق قطار متوجه من القاهرة إلى أسوان، حيث بدأ الحريق في العربة الأخيرة به وامتد إلى بقية العربات، ليلتهم 376 شخصًا، وتوجه النيابة حينها اتهامات ل11 مسئولًا بهيئة السكك الحديدية بسبب الإهمال، استقال وزير النقل المصري ''إبراهيم الدميري''، إلا أن المحكمة وقتها صرحت بأن المتهم الرئيس مازال طليقًا، فيما أرجع ''عاطف عبيد'' رئيس الوزراء سبب الحادث لانفجار موقد بوتاجاز بإحدى العربات، ثم امتداد النيران للباقي.
اكتفت الحكومة المصرية آنذاك بصرف تعويض 3 آلاف جنيه لأهالي القتلى، وألف للمصابين، واكتفت قنوات التليفزيون المصري بإعلان حالة الحداد على الموتى.
قال ''أيمن السيد عبد الوهاب''، الباحث بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، إن المقارنة بين سياسة الحكومات في مصر وكوريا صعبة، لأن الثقافة السائدة بصفة عامة في الدول الأسيوية هي ثقافة الاعتراف بالخطأ والاعتذار وتحمل المسئولية حتى ولو كان الشخص ليس مسئولًا بشكل كامل ''تتواجد هناك حالة متكاملة من الرقابة الذاتية من الفرد على نفسه''، فيصبح الاعتذار خاصة في الكوارث أمرًا بديهيًا لإظهار الاحترام للمواطنين، بينما أوضح أن الحال في مصر تغلفه ثقافة ''التبرير'' من قبل الدولة، في الحوادث المختلفة، ليس فقط من الوزراء، بل حتى الأصغر منهم في التدرج الوظيفي ''المسئولون يفتقدوا الإحساس بالمسئولية''.