كتبت- رنا الجميعي:
''ليه العصفور والضفدع مكملوش مع بعض؟'' يُمكن أن تراه تساؤلًا ساذجًا، لكنه كان جزء من افتتاحية عرض ''ولاد البطة السودا''؛ حيث أربعة ممثلين يجلسون بملابس سوداء أمامك على مسرح مركز الهناجر في ثالث عرض لهم يجاور كل ممثل منهم سلة هي جعبته في التغيير من مشهد لآخر، وورائهم ثلاثة عازفين متأهبين دومًا للبدء في عزف أغنية ما.
بدأ الأمر بعرض ''مشروع عصير دوم''، وهو جزء من أنشطة مؤسسة ''دوم'' الثقافية، لمجموعة من الأسئلة التي تمس الواقع المصري، ومن ضمن تلك التساؤلات أثير سؤال حول التمييز العنصري، ومن هنا جاءت ''مختبر المسحراتي'' وهي من أقدم الفرق المسرحية المستقلة، حيث أنشئت عام 1989، برئاسة عبير علي، لتعكف على ورش للكتابة حول العنصرية لتقدم عملًا فنيا يتمحور حول تلك الفكرة.
أربعة شعور هي مدة الإعداد للعرض، مجموعة من الأبحاث والأعمال الأدبية والشهادات ارتكن إليها العرض، تقول عبير علي، مخرجة العرض، من ضمنها بحث للكاتب عادل الجارحي يقر فيه أن العنصرية غريزة لدى الإنسان، واقتبسوا من كتب الجاحظ وحكايات ألف ليلة وليلة ما يدل على وجود العنصرية حتى في الأعمال الأدبية.
وأنتج العمل كعرض تفاعلي مع الجمهور، حتى يتمكن الجمهور من عمل مناقشات حية ''مش مهم الاجابات كانت ايه، لكن الأهم التفاعل نفسه''، في أول مرة عُرض فيها العمل كان في قنا مما أثرى العرض لعدم اعتماد على فئة معينة للحضور ''الأغلب كان جمهور عادي مش مثقفين''.
بعض الإجابات والمناقشات جاء بشكل لم تتوقعه المخرجة ''فيه ناس بدأوا يعترفوا فعلًا انهم بيتعاملوا بعنصرية''، والبعض الآخر جاء بحلول جيدة لمسألة العنصرية ''ولد صغير عنده 12 سنة قدر انه يلاقي حل برغم ان الكبار كانوا بيقروا انه مفيش حل''.
بمركز الهناجر تم عرض العمل خمس ليال، الحكاوي هو سمت العرض الأساسية، عندما تقوم بالدخول للعرض يُقابلك أحد العاملين بصافرة ملونة للاعتراض، ورقة استبيان وسؤال مُرقم، تجلس على مقعدك المفضل، ثم يبدأ العرض، وتنهال عليك الأسئلة ''ليه بنقول بنت بس بميت راجل، وليه بنقول صعيدي بس بيفهم ومسحيي بس كويس''.
وفي كل فقرة يحكي القائمين بالعرض شهادة أو حكاية حدثت بالفعل تبين مدى العنصرية الموجودة بالمجتمع، منها شهادة ''ندى زتونة'' الفتاة الأسوانية التي عانت من عدم تقبل الآخر لها، وصدمت بالكراهية ورفض التعامل معها في النادي اليوناني وبأحد فروع صيدلية سيف حين قال لها الصيدلي ''الدكتور المستحمي'' كما حكت الممثلة بالعرض : ''أنا مبتعاملش مع سود''.
وبين كل فقرة وأخرى أغنيات، ''نعناع الجنينة''، ''بين شطين ومية''، ''وخليكو شاهدين يا بهايم''، لتُعرض أغاني من محافظات مختلفة وتبدأ اللهجة تختلف من السواحلي إلى الصعيدي إلى النوبي.
وفي كل فاصل يقوم أحد القائمين بالعرض ليسأل الحاضرين سؤال عن الفقرة السابقة، وينادي على من لديه رقم معين، ويقوم الشخص بالتعرف باسمه ومهنته ويقرأ سؤاله المقدم لديه مسبقًا، أحد الأسئلة كانت ''هل تقبل بزواج ابنك لفتاة سوداء؟''، فأجاب ''أيوا أقبل، بس مراتي هي اللي هترفض، هما كل الستات كدا''، لتنهال صافرات الاعتراض على كلامه النازع إلى العنصرية أيضًا والتعميم.
ويبقى سؤال ''ليه العصفورة والضفدع مكملوش مع بعض؟'' سؤال دون اجابة شافية، بيد أن أحد الحضور استطاع الإجابة عن هذا السؤال، طفل صغير بشعر مُلون ووجه مُشاغب ''احنا نجيب آلة تحول العصفور لضفدع أو العكس، اللي يقبل فيهم يعني''.
لينين في كتاب قديم.. التطرف اليساري لا يقل خطرا على الثورة من اليمين