القاهرة - (روتيرز):
عندما وقعت عين عالم المصريات الفرنسي أوليفييه بيردو على قطعة من تمثال فرعوني معروض في إحدى صالات العرض في بروكسل العام الماضي افترض أنها قطعة طبق الأصل من تحفة أثرية قديمة عاينها بنفسه في مصر قبل ربع قرن.
لكن حقيقة الأمر كانت أغرب من ذلك بكثير إذ أن القطعة كانت جزءا من نفس التمثال الذي يرجع تاريخه للقرن السادس قبل الميلاد مصنوع من حجر باللون الأخضر الشاحب وكان بيردو نفسه حصل على إذن خاص بدراسته في القاهرة عام 1989.
كان التمثال عبارة عن رجل يضع غطاء رأس فرعونيا ويحمل قربان الأوزوريس إله البعث والحساب عند قدماء المصريين. وكان اللصوص قد حطموا التمثال بعد اقتحام المتحف المصري في ميدان التحرير بالقاهرة خلال انتفاضة عام 2011 على حكم حسني مبارك.
كان الجزء العلوي من التمثال مختفيا منذ ذلك الوقت.
قال بيردو لرويترز ''اندهشت. فمن خلال فحص كل البقع والاختلافات استطعت أن اخلص إلى أنها كانت القطعة ذاتها.''
وأضاف ''كان بين يدي في بروكسل الأثر الذي درسته في متحف القاهرة عام 1989.''
وبفضل هذه الصدفة البحتة عادت هذه القطعة التي استخرجت عام 1858 إلى مصر. فقد انتاب الفزع المشتري عندما علم أنه اقتنى قطعة مسروقة وعرض على الفور تسليمها.
وعادت القطعة الآن إلى القاهرة حيث أعاد خبراء الترميم لصقها بالتمثال.
وازدهرت سرقة الآثار في مصر في الفوضى التي بدأت مع الانتفاضة الشعبية قبل ثلاث سنوات لتحرم البلاد من كمية غير معروفة من تراثها القديم من خلال السرقة من المتاحف والمساجد ومنشآت تخزين الآثار بل ومن عمليات الحفر غير القانونية للتنقيب عن الآثار.
وتنحصر مهمة مجموعة صغيرة من موظفي الحكومة في البحث على الانترنت عن أي آثار مسروقة تطرح للبيع وقد شهدت هذه المجموعة زيادة كبيرة في عملها في أعقاب موجة جرائم الآثار التي صاحبت الاضطرابات السياسية.
وفي بضع حالات وبفضل الصدفة وحدها رصد خبراء قطعا من الآثار المصرية المعروضة في قاعات المزادات والمجموعات الخاصة لهواة جمع الاثار في الغرب وعملوا على إعادتها لمصر.
ورغم أن مصر استردت نحو 1400 قطعة حتى الآن فإنها تواجه مهمة شاقة لاستعادة كل ما فقدته.
ولا يوجد حصر لعدد القطع الأثرية التي اختفت. وكثير منها غير مسجل لأنه ناتج عن عمليات حفر غير قانونية.
وقال أحمد شرف رئيس قطاع المتاحف بوزارة الآثار المصرية ''أغلبها ليس مسجلا لأن عصابات إجرامية استخرجتها لا خبراء متخصصين.''
وتنتشر في مساحات من الصحراء الآن آثار عمليات حفر غير قانونية استخدم فيها اللصوص المعاول بحثا عن الكنوز المدفونة. بل إن البعض حفر أنفاقا للوصول إلى مواقع أثرية لم تستكشف دون لفت الأنظار.
ورغم أن المسؤولين يتحدثون عن تحسن الوضع الأمني مما حد من سرقة الآثار فمازالت قطع أثرية تختفي حتى من مواقع تتمتع بحماية مشددة. فخلال الشهر الجاري سرق تمثالان قديمان من مخزن للآثار بمعبد الأقصر في جنوب مصر.
وقال شرف ''في السنوات الثلاث الأخيرة ازدهر بيع الاثار المسروقة في داخل مصر وخارجها.''
غسل الاثار
وليست الآثار الفرعونية وحدها التي تتعرض للسرقة.
فقد ترك حكام مصر في العصر الاسلامي منذ القرن السابع الميلادي بصمتهم على فن العمارة في مصر ومنذ عام 2011 نهب اللصوص قطعا منزخارف المساجد وغيرها من الآثار الاسلامية في وسط القاهرة.
فقد ترك حكام مصر في العصر الاسلامي منذ القرن السابع الميلادي بصمتهم على فن العمارة في مصر ومنذ عام 2011 نهب اللصوص قطعا من زخارف المساجد وغيرها من الآثار الاسلامية في وسط القاهرة.
ويقول شرف إن من المشاكل التي تواجه الآثار الاسلامية أن وزارة الاوقاف والشؤون الدينية لا توفر حماية كافية للمساجد التي مازالت تستخدم كدور للعبادة.
وبفضل الصدفة أيضا تم رصد بعض القطع الأثرية الاسلامية في أسواق الفن في الغرب. ففي العام الماضي ظهرت في دار بونامز للمزادات في لندن ألواح خشبية نزعت من ضريح يرجع تاريخه للقرن الثالث عشر في القاهرة عام 2012.
وتعرفت خبيرة الفن الاسلامي دوريس بيرنز أبو سيف على أصل الألواح الخشبية الثمانية بعد أن طلبت دار بونامز من أحد زملائها فحص نقوشها. ولم يقتنع المسؤولون في الدار بوثائق الملكية المزورة التي قدمها بائع الألواح.
وقالت دار بونامز إنها اقتنت الألواح لأغراض بحثية لكنها لم تعرضها قط للبيع.
ولا يعرف المسؤولون كيف يتم تهريب هذه القطع الأثرية من مصر إلى الأسواق الغربية. ومن المعتقد أن أحد طرق التهريب يمر عبر شبه جزيرة سيناء حيث يعمل مهربو المخدرات والبشر إلى اسرائيل ومنها عبر البحر المتوسط إلى أوروبا.
ويحكي المسؤولون قصصا عن لف الآثار في سجاجيد أو إخفائها داخل نسخ رخيصة من الآثار أو تخبئتها وسط شحنات الخضروات.
وتقول الشرطة الدولية (الانتربول) إنها لا تملك معلومات تذكر عن كيفية وصول الآثار المسروقة للدول الأجنبية لكنها تؤكد أن هذه الآثار غالبا ما يتم ''غسلها'' عبر دول أخرى.
وقال ضابط الانتربول فابريتسيو بانوني لرويترز ''في بعض الأحيان يكون من الصعب معرفة متى وصلت هذه القطع على وجه التحديد للسوق القانونية وبأي حالة لأن من المحتمل أنها تمر عبر دول مختلفة وصفقات بيع خاصة قبل أن تعاود الظهور في مزاد قانوني.''
وحدة الانترنت
وفي مكتب مكدس بحي الزمالك الراقي في القاهرة يقضي خمسة موظفين حكوميين أيامهم في البحث عبر الانترنت وعلى مواقع التجارة الالكترونية وكتالوجات بيوت المزادات الغربية بحثا عن أي آثار مسروقة.
ويقول علي أحمد رئيس الوحدة إن عمله ازداد زيادة كبيرة في السنوات الثلاث الأخيرة. وقد درس أحمد الآثار لكنه يشبه دوره الآن بدور المخبر.
ويطالب أحمد بفرض قيود مشددة على تجارة الآثار المصرية في الغرب وأن يكون كل من يعرض قطعة من الاثار المصرية للبيع مطالبا بتقديم وثيقة تظهر أن هذه القطعة صدرت بالطريق القانوني من مصر التي كانت تسمح بتداول الاثار حتى عام 1983.
وغالبا ما يحصل مهربو الآثار المسروقة على شهادات تصدير في دول أخرى تسهل نقلها إلى الدول التي توجد فيها الأسواق.
وقال أحمد ''أنا أعلم أن كل قطعة أثرية مصرية صنعت في مصر. فاثبت لي أنك حصلت عليها بوسيلة قانونية.''
وحقق أحمد بعض التقدم هذا العام عندما وافق موقع إيباي للتجارة الالكترونية على رفع آثار يعتقد أنها منهوبة من مصر من الموقع.
وقال ''نحن نراقب ما يباع علنا. المشكلة فيما يباع سرا.''
وأضاف ''أتمنى أن يتعاون العالم المتحضر معنا. فعندما نتحدث عن التراث المصري فهو ليس ملكا للمصريين وحدهم بل ملك للإنسانية كلها.''