كتبت – دعاء الفولي:
الكاميرا مُثبتة على العقار، رجل خمسيني يجلس على دكة متهالكة، عمامة وجلباب أبيضان، يمر القاصي والداني، فيكتفي برفع يديه تحيةً، ساكن بالعقار يدلف، يُلقي عليه السلام، فيرد الجالس سلامه في حماسة، وبمجرد صعوده تتغير ملامح وجهه امتعاضًا، لا يُضمر مودة له؛ يظهر عكس ذلك، بينما يجلس ''سعد النوبي''على دكة مماثلة، جانب عقار بحي الدقي، العالم السينيمائي لا يشبه الواقع، البواب الأسمر في الأفلام لا يحمل من صفات.
الحقيقي إلا المظهر الخارجي، يسخر الناس من الأول في أفلام ''علي الكسار'' ونظرائه، بينما يعترض المثقفون على حصر النوبة في مثال أو اثنين، و''النوبي'' يتابع الأفلام التي تتكلم عن بني بلده، لا يأخذها على محمل الضيق، مع علمه أنها لا تُمثله.
يُعامله آل العقار الذي يعمل به منذ 8 سنوات باحترام ''استأمنوني على العمارة كلها وهذا يكفي''، سلوكه الطيب مع الناس لا يحوي نفاقًا ''اللي في
قلبي على لساني''، جاء بسبب ابنته التي تزوجت أحد أقاربها وعاشت بمنطقة المعادي ''كانت وقت جوازها صغيرة فقالت مجيش مصري لوحدي''، ترك الأب عمله في النجارة بـ''إدفو'' حيث يقطن أولاده، ولكبر سنه أيضًا ''قلت أقعد على الدكة بقى وأستريح''.
مهنة حارس العقار لا تضايق الرجل الستيني ''البلد هنا كويسة وفيها رزق وأنا شغال بمزاجي''، ترك في إدفو 3 بنات ومثلهم من الذكور ''الولاد بتدير
ورش النجارة بتاعتنا''، يعود بين الحين والآخر ليعرف أحوالهم ويطمئن على زوجته الثانية ''دي جابتلي 3 بنات وولد واحد، اتجوزتها بعد الأولى بأربع
سنوات''، على جانبي النهر عاشت الزوجتان سويًا قبل أن يفارق إحداهما ''واحدة كانت في شرق البحر والتانية في الغرب''، يضحك عندما يتذكر تلك الأيام، تتقلص تجاعيد وجهه، تكاد عيناه تختفيان لفرط ضيقهما، بينما يعبث بخاتم فضي التف حول إصبعه الخنصر في اليد اليسرى.
الراحة تنقلب على عقبيها أحيانًا في عمل ''النوبي''، وجوده بمنطقة مزدحمة يضعه في مواجهة مع نسبة أمان أقل كثيرًا، تعرض على إثرها أكثر من مرة
للبلطجية ومن حاولوا اقتحام العقار، وامتد الأمر للإصابة بإحدى المرات ''حرامي دخل الساعة 3 الفجر وجريت وراه بالنبوت وانا بأجري اتكعبلت على السلم وقعت''، يشير إلى درجات السلم الرخامي الأربعة، كسر بأحد الضلوع كان ناتج التجربة المريرة ''قعدت في مستشفى الزراعيين فترة لحد ما قدرت أرجع''، لا يعبأ بتلك الحوادث ''أصل دة وارد وأحنا صعايدة في الآخر''، عدا ذلك لا يتجاوز أحدهم حدوده مع الحارس النوبي، على حد قوله.
لا يجد الأب الستيني ما يُسلي وقته في العموم سوى قناة تليفزيونية للموشحات والأناشيد الدينية ''بيمدحوا، بتجيب الشيخ ياسين التهامي والدشناوي بتفكرنا بالإفراح عندنا في النوبة''، يذكر أن بلدته الصغيرة كانت قديمًا لا تخلُ من ليالي إنشاد طويلة ''كنا نفضل للصبح منامش والله''.
''علي الكسار'' هو المفضل لـ''النوبي''، رغم حبه للأدوار القوية ''بحب الأدوار الصعيدية أكثر من النوبية عشان فيها خشونة وشراسة''، لا يعجبه استخدام اللغة النوبية في الأفلام للسخرية فقط ''اللغة بتاعتنا جميلة وبنحاول نتمسك بيها''، غريب يدلف العمارة؛ يسأل عن أحد الأشخاص ''اطلع الدور الساتت بس خد الأسانسير التاني عشان اللي على اليمين بايظ''، لكن رغم ذلك السخرية بأفلام إسماعيل يس عندما يرتدي الشخصية النوبية ''بتعجبني والله دمها خفيف''، أما إذا سُئل عن ''محمد الأدنداري'' الذي قدم معظم أدواره في شخصية حارس العقار ''معرفوش''.
بالصور.. النوبة التي في ''الظهير الصحراوي''.. موارد ''شحيحة'' ومنازل آيلة للسقوط