كتبت-رنا الجميعي:
تتعدد التصنيفات المتعلقة بالمثقف، وتتنوع باختلاف الأسباب والرؤى، فهناك من ينادي المثقف باليساري ومرة بالإسلامي وأخرى بالمستنير، وتأتي تلك التصنيفات سواء من الكاتب ذاته الذي يرى نفسه وفقًا لاتجاه معين، أو من المجتمع المُحيط به، وتختلف الآراء حول فكرة التصنيف ذاته، وتغيم الرؤية بتعريف الثقافة في ذاتها، ولا يُوجد تعريف شامل جامع للمصطلح، ومع ذلك تتعدد التصنيفات التي تندرج تحت مفهوم الثقافة.
امتازت كلمة المثقف بالتفرد والاختلاف كلما اختلف العصر وتطورت السبل، ففي المجتمعات الأولى كان المثقف هو من يمتلك القدرة على القراءة والكتابة، حسب ''هشام عطية'' الأستاذ بإعلام القاهرة ''في الماضي كان عدد من يقرأ ويكتب يتعد على الأصابع'' وفي ذلك الوقت كان يُنظر للمثقف نظرة أشبه بـ''السحر''، على حد قول ''عطية''، حتى أن المجتمع المصري القديم كان يُبجل فكرة المثقف ''ودا ظهر في تمثال الكاتب القرفصاء''.
أما تصنيفات المثقف التي يندرج تحتها المثقف ذو رؤية إسلامية أو غيرها من الرؤى، فيقول ''عطية'' إنه مفهوم ديني أكثر منه إنساني، ويرى أن التعبير الأكثر دقة هو المثقف ذو مرجعية إسلامية، الذي يعتبر أن الإسلام هو الخلفية الثقافية التي يكتب من خلالها.
يختلف ''عطية'' مع التصنيفات التي تحدد المثقف، فالمثقف الحقيقي يتشكل من خلال اطلاعه على جميع العلوم المتاحة ومن خلال المعرفة تتشكل المرجعية التي يميل إليها، وان امتنع عن قراءة الأفرع التي تختلف مع اتجاهه ''كدا بيخصم من تكوينه الثقافي''، وإن الأدب لهو أشمل من اتجاه بعينه ''حتى شعراء صدر الإسلام يبدؤوا شعرهم بالغزل حسب الأعراف وقتها''.
فلا يصح للمثقف أن ينغلق على نفسه ومعارفه التي شكلها فقط، ويوضح ''هشام'' أن المؤسسات الدينية كالأزهر في العصور القديمة هي الخلفية الأساسية التي أتى من خلالها العديد من المثقفين ''ده السبب اللي عمل اللبس الموجود حتى الآن''.
ويرى ''عطية'' أن من يحددوا المثقف ضمن تلك التصنيفات هم من يطمسوا الفكرة الإسلامية ويسيئوا للإنتاج الأدبي ويقضوا على جماليات الثقافة الواسعة.
لم يختلف كثيرًا ''أحمد وجيه''، مدير تحرير دار مدارات للنشر، مع رأي ''عطية''، ويبين أن تعريف المثقف الإسلامي هو مُختزل بطبيعته التي لا تتنافى مع ما يراه الإسلاميون من الانتماء إلى تراث الثقافة الإسلامية والاستمداد من أصولها، ويعتبر ''وجيه'' أن تصنيف المثقف جاء من فكرة مناهضة الثقافة الغربية.
ويوضح أن فكرة التعريف ذاتها غير مُناسبة، فالمشتغل بالحقل المعرفي عامة هو مثقف، وبالرغم من الخلفية التي تأتي منها ''مدرات'' وهي المرجعية الإسلامية ''لكن احنا بنستوعب كل الأفكار''.
بشكل شخصي يفضل ''وجيه'' مصطلح المثقف المسلم وليس الإسلامي، وتقدم الدار عدد من الكتب غير المنتمية إلى الثقافة الإسلامية ''فيه نوع من أنواع الرحابة في التقديم''.
وفيما يتعلق بالأدب فالتصنيف أيضًا غير مرحب به ''مثلا فيه شعر الخمريات لأبي نواس وهو جزء من التراث الإسلامي ولازم نستفاد منه''، ويروي ''وجيه''
واقعة لإحدى ندوات الأديب ''محمود شاكر'' ''لما سأله أحد الطلبة إيه رأيك في تعريف المثقف الإسلامي، ثار ثورة عارمة ورفض فكرة التصنيف''، وأن أئمة المسلمين الذين توجهوا إلى الثقافة لم تشغلهم فكرة التصنيف ولم تكن لديهم بالأساس.
ويأتي إطار التعريف بالمثقف الإسلامي أنه الذي يزرع القيم في كتاباته، لكن حتى المثقفين الذي تشكلوا في هذا الإطار لم يُصنفوا أنفسهم أمثال ''الرافعي'' ''حتى الرافعي مثلًا كتب أربع كتب في الغزل وكان بها أوصاف''، أما ''المنفلوطي'' فجاءت كتبه بنفس الإطار الأخلاقي لكنه لم يُحدد على أسلوبه الإطار الإسلامي.
فوضى المصطلحات هذا ما يصفه المثقف ''شعبان يوسف'' وأن الحال يتسم بالخلل في تعريف المثقف، ويرى ''يوسف'' أن تلك التصنيفات هي حالة من ملء الفراغ بمصطلحات مستحدثة.
ففكرة الأدب هي شمولية وتتسع للجميع، وهي تصنيفات مجازية، على حد قول ''يوسف''، وتلك التصنيفات حسب مفهوم ''يوسف'' تأتي في إطار البحث، أي أن هناك باحث في الشئون الإسلامية وآخر في الشئون الاجتماعية لكن ليس هناك ما يعُرف بالمثقف الإسلامي.
يُحدد ''محمد عبد القهار'' صاحب رواية ''سراي نامه؛ الغازي والدرويش'' مفهومه بالنسبة لذلك التصنيف أن تلك التسميات حددها الواقع والظروف، فهناك من يضع الدين نصب عينه في الكتابة وآخر لا يهتم به.
ويرى ''عبد القهار'' أن الاستعمار الغربي الذي أنتج لدينا أنظمة تعليم مغايرة لثقافتنا هي من استحدث ضدها توجه إسلامي، فأصبح هناك من يدعى بإسلامي وآخر لا ''كان لازم يبقى فيه تيار يستعيد الروح الإسلامية''.
ويوضح أن الأدب الإسلامي يتحدد بطريقة السرد والرؤية المصاحبة، وأن الأديب يميل لاتجاه معين سواء كان إسلامي أو يساري ''دا بيبقى وفق الأيدلوجية''.