كتبت-إشراق أحمد:
يجلس خلف طارة القيادة، شأنه غير السائقين؛ هو ''منقذهم''، بين عربات خاصة ونقل ثقيل تمرق سريعًا يسير، سبيله إلى الأولى، إما مهشمة أو أصابها عطل، والهدف الخروج بها إلى المكان الذي يريده صاحبها إن كان معافى؛ يرفض القيود والمهانة، لذلك أحب الطريق رغم عمله بوزارة الري، وجد به ''الراحة النفسية'' مع مشقته، أبى أن ينقاد عليه، يتحدث عنه بلغة الخبير، يجده قَدَر وإن كان بـاختياره، يمثل عليه دور ''المسعف'' مع كل مرة يسحب بها سيارة و''الرحالة'' في تنقله بـ''أي مكان''، كفاه عن هواه الأول؛ السينما التي ولع بها وسعى إليها لكن وصل لقرار المحب العاقل ''مهنة في البداية مابتأكلش عيش''، ففي الوقت الذي تحتل مصر المركز الأول على مستوى الشرق الأوسط في عدد ضحايا حوادث الطرق وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، لزم ''عادل رجب'' الطريق وعربته ''ونش الانقاذ''.
يرن الهاتف، لا يعلم ''رجب'' الأرقام في أغلب الأحوال لكنه لا يتردد في الرد بأي وقت؛ استغاثة بصوت لاهث أو مصيح للمجيء في أسرع وقت، يحدد المكان، يدونه كما الهاتف، يدر محرك السيارة الحمراء القابعة أمام ''الفرن'' البعيد عن منزله بقرية ''هوارة عدنان'' في الفيوم قرابة 200 متر، متمتمًا بأدعية السلامة يتوكل على الله، الاتفاق على المبلغ نظير ''طلعته'' لا يأتي دائما قبل التحرك ''بسيبها على الله وإن مجاش حاجة'' خاصة إذا كان الأمر حادث، والمتصل لا علاقة له بالأمر.
على الطريق ''الغربي'' كما يطلق عليه –بني سويف أسيوط- أرقام هاتف خُطت على جوانبه ملحقة بكلمة ''ونش الانقاذ''، وسيلة تفتق عنها ذهن أحد زملاء المهنة بالفيوم، المنقسمين إلى متفرغين لها ومَن هي لهم إضافة ''سواق كومسيون'' –يطلق على سائق الونش غير المالك-حال ''رجب''، كان توزيع البطاقات على رفقاء الطرق من ''كافيتريا، كمين، اسعاف، شرطة، سواق معدي على الطريق'' هو المتعارف عليه، غير أن كتابة رقم الهاتف على الطريق أصبحت طريقة أسهل للوصول إليهم ولمن يقع في مأزق سواء لتعطل سيارته أو وقوع حادث.
ومع الوظيفة التي التحق بها ''فني بوزارة الري'' عام1997، حمد الله على الوصول لعمل لا يُمتهن فيه، لكن سرعان ما انكشف الوجه الآخر ''120 جنيه ''راتب نهاية الشهر، لم يتردد مع دعوة أخيه الأكبر للعمل معه على ''الونش'' الخاص به ليزيد دخله خاصة مع وجود زوجة وابنته ''رقية''، واستمر الأمر مع مجيء ''حمزة'' ليصبح هذا العام السابع للأب على الطريق السريع.
''بروح في أي مكان بحري ماشي قبلي ماشي'' حتى سوهاج سافر الرجل الأربعيني، وإلى السلوم وشرم الشيخ ذهب بطريق الوجه البحري، ''كفر الشيخ'' المحافظة الوحيدة التي يمر بها بذاك الطريق وكذلك ''أسوان'' بالقبلي، لا يتوقف إلا بكف الهاتف عن الاتصال أو وقت عمله بوزارة الري؛ نظام العمل بـ''ورديات'' في الوظيفة الحكومية سهل أمر الجمع بين الوظيفتين، وأعطاه إحساس بـ''الراحة النفسية'' التي أرادها رغم المشقة ''مش شغال تحت ضغط حد''.
حسب مسافة المشوار يقدر المبلغ الذي يتحصل عليه رفيق الطريق ''مثلا من الفيوم إلى القاهرة ممكن 300 جنية'' وأحيانًا تعود ''للزبون'' ذاته ''في إكرامية أو لأ..ترجع له''.
مخاطر يجدها ''سواق الكومسيون'' على الطريق لا تتعلق بالحوادث و''البلطجة'' فآمان الطريق يرتبط بسير السيارات ''والبلطجي موجود في كل وقت وأي مكان'' لكن بالمهنة ذاتها ''كل الشغل بالتليفون والواحد ما يعرفش اللي بيتصل به ممكن يكون سارق العربية''، لذلك في حالة عدم مرافقة صاحب السيارة له باخد الرخصة بتاعته ولو مش معاه مش بسحبها''، وللطريق رفاق هم مصدر خطر؛ فسائق الونش يحذر من النقل الثقيل خاصة ''أبو مقطورة'' ويخشاه أكثر في الليل ''بيبقى حاسس إن الطريق بتاعه''.
يعمل ''رجب'' منقذ لكنه كحال زملاء المهنة هم مَن ينقذون بعضهم البعض في حالة الخطر أو القدر هو ما يفعل ذلك في أغلب الأحوال، ويذكر ''رجب'' أواخر أيام رمضان عام 2010 عندما تعطلت سيارته ''كنت عند بني مزار في المنيا''، خرج عليه مجموعة من البلطجية شاهرين السلاح وأخذوا ما بحوذته من أموال وهاتف وتركوه بالطريق، رغم صعوبة الموقف لم يخل من السخرية ''كانوا بيختموا الشهر بعبادة''.
''80% من الطرق مش كويسة'' قال ''رجب''، باستثناء الطرق ''اللي بيعملها الجيش''، والطرق الفرعية هى الأخطر ''مش ممهدة والسرقة فيها أكتر''، الطريق الدائري بالنسبة لسائق ''الونش'' هو الأسوأ ''فواصل الكباري بتبوظ عفشة العربية'' أما ''الصعيد'': ''السواقة عليه غشيمة شوية''.
ورغم ذلك لا يفضل سائق ''الونش'' طرق ''الجيش'' مثل طريق العين السخنة، ليس لإجراءات التفتيش ''مش بيزعجنا'' لكن الحوادث عليه تتطلب ''مصالحة'' مما يحتاج مزيد من الوقت فضلًا عن الغرامات التي يتكبدها كل من الواقع في الحادثة والسائق المنقذ ''كل خبطة بفلوس أقل حاجة 500 جنية وفي الكمين بندفع 20 جنية على عكس الطريق العادي 5 جنية''، لذلك ''مابنطلعش غير لما صاحب العربية يقول أنه جاب مصالحة''.
''ونش الإنقاذ'' مع ما يجده الرجل ذو الملامح القروية من صعوبة واجهها في باديء الأمر '' في الأول نفسيا الواحد كان بيتعب من الحوادث لكن بعد كده بقى عنده حصانة'' غير أنه محبته لعمله أساس مواصلته له، إذ أشبع رغبته في التنقل ومعرفة الجديد ''عامل زي الرحالة''، يجوب المحافظات، يعرف على أشخاص جدد ''النهاردة في سوهاج بقابل ناس بكرة في اسكندرية حاببها نفسيا عشان كده''، وفي الوقت ذاته عوضته عن رغبته الأولى ''بحب التمثيل وقدمت في معهد الفنون المسرحية لكن ماقبلتش''، لم يكن حزنه طويلًا، أدرك أنه أحب شيء لكنه ربما لم يُخلق له خاصة أن تلك المهنة لم تكن تكفى أهل بيته ''كل واحد بياخد نصيبه وأنا اللي اختارت''، لكنه واصل التردد على أماكن التصوير مرافقًا أحد أقاربهم يحمل في مجال الإخراج حتى قبل عام ونصف، إلا أن ''اللي مأثر معايا'' طموحه أن يستكمل تعليمه ليلتحق بإحدى الكليات ''أداب أو إعلام''، فتلك المسألة أصبحت شاغله الأكبر الآن.
90% مما يقوم به ابن الفيوم المؤمن ''أحنا عاملين زي الإسعاف''، ينقل سيارات من حوادث ''في اللي بيبقى مدكوك مالوش أثر على الطريق، وفي ناس لازم يتقص صاج العربية عشان يطلعوهم''، أغلب الضحايا بها من الشباب على حد قوله، فالسرعة الزائدة هى المسبب الأول في نظره وإن كان الأمر في النهاية ''قضاء وقدر''، يليها الاهتمام بالطرق، فالإنارة لا تتواجد إلا بالكمائن ومداخل المحافظات بينما يزداد الأمر صعوبة في المساحة الصحراوية. يسمع ويرى بعينيه رفع كفاءة بعض الطريق مثل السويس والاسماعيلية لكنه يجد ''من الأول كان اتعمل كويس مش بعد سنة نرفع كفاءته ويتكلف ضعف ما اتصرف علي''، فكل ما يتمناه إلى جانب حياة أفضل لأبناءه أن يتم الإهتمام بالطرق والسائقين.
سائقون بسوهاج يشعلون النيران في إطارات السيارات ويقطعون الطريق السريع