كتبت - دعاء الفولي:
ورقة طويلة كُتب عليها أسماء، قلم يمسكه صاحبها، يكتب اسمًا، يشطب آخر، جسد نحيل، وجه مبتسم، صوت لا يعلو كثيرًا إلا للنداء ''الدور على أحمد لمون''، ينظر السائقون له في موقف المطبعة بمنطقة المعادي نظرة من ينظم الأمور، يفعل ذلك ''بالحب'' على حد تعبيره، يعتبرونه أيضًا ''حكومة'' المكان، حتى وإن اقتصر دور ''محمود مصطفى'' على منع السائقين من تحميل سيارات الميكروباص بالزبائن دون الدور المُحدد بالورقة، مقابل ''جنيه'' يأخذه عن كل سيارة.
لا يعتبر ''مصطفى'' أن العملة التي يأخذها من أصحاب السيارات ''إتاوة''، هي أشبه بضرائب مقابل خدمتهم والمحافظة على أدوارهم المحجوزة من اليوم السابق ''انا باجي 7 الصبح بيبقى السواقين حاجزين مكانهم من بليل بخلي بالي من الأماكن وبعدين اللي بييجي بالدور في الورقة''، في الثانية عصرًا ينتهي عمل الشاب العشريني ''بييجي واحد مكاني بعد الظهر لحد 11 بليل''.
لا يعرف صاحب الورقة توصيفًا لمهنته ''أنا مش حكومة وعارف السواقين وهما عارفيني وبعمل كدة بدل ما أسرق''، قبل العمل بها كان في مجال الرخام والسيراميك مع أخيه الأكبر ''بس الحالة لما وقفت بعد الثورة جيت هنا من حوالي 3 سنين''، يخرج بثلاثين جنيهًا مرتب اليوم عقب انتهاء الوردية، يُقبّل يده رافعًا البصر إلى السماء، ممتنًا من الرزق ولو قليل ''الحمد لله على كل حال''، الجنيه لا يأخذه الشاب العشريني دائمًا ''لو حد من السواقين معهوش مش مشكلة الناس ظروفها صعبة برضو''، في المقابل لا يمتنع أحد عن الدفع بغرض البلطجة ''الاحترام هنا متبادل بينا اللي بيحاول يبلطج السواقين بتوقفه''.
المشاكل تحدث أحيانًا، من يرغب في ملء السيارة بالزبائن قبل الآخر يوقفه ''مصطفى'' بالتفاهم ''مش أنا بس اللي بوقفه لكن السواقين كمان مبيسمحوش بالظلم''، تأتي مشكلة ''العجل'' كما يطلق عليه ''سيد'' قاصدًا السيارات عند الازدحام ''الضغط بيبقى صعب عليا لأني ببقى لوحدي الصبح ووقت الموظفين غير كدة مفيش أزمة''. أما علاقته بالحكومة الحقيقية فهي جيدة ''الظباط بتوع قسم دار السلام كويسين معانا الصراحة''.
لا يفكر في اللجوء لمهنة أخرى، ولا الذهاب إلى موقف المريوطية بحي الهرم، والذي يعود إليه معظم سائقي المطبعة ''بيقولولي هناك فيه إتاوات وبلطجة والسواقين بيعملوا معاهم مشاكل عشان بياخدو الفلوس بالغصب''، خرج من المدرسة في المرحلة الإعدادية ''حصلت حادثة كنت عند المترو وقعت على السكة الحديد ودراعي اتقطع''، ينظر لكتفه الأيسر الخالي من ذراع، لا يتحدث كثيرًا عن تفاصيل الذكرى ''هي خلتني مش حابب المدرسة نفسيًا وسيبتها بعد كدة''، لا يتذمر؛ فصعوبة الأمر تتراجع مع الوقت، يأتيه سائق يسأل عن دوره ''تعالي يا محمود شوف المشكلة دي وقولي هطلع إمتى''، يستجيب له سريعًا.
يتحرك ميكروباص بالركاب بطيئًا من الموقف، يُخرج الورق من جيب البنطال الخلفي والقلم، ينحني للأمام، واضعًا إياها على صدره، ليشطب اسم السائق الذي غادر، يتحرك راكضًا نحو ميكروباص سد طريق السائق، يصعد على كرسي القيادة، يتحرك به قليلًا، ليستطيع الأول المرور.