كتبت - نوريهان سيف الدين:
ريشة ساخرة جسدت ضحكات ودموع المصريين، مؤسس مدرسة الكاريكاتير المصرية، ومبدع شخصيات ''رفيعة هانم، ابن البلد، غني حرب وحمار أفندي''، نظرة نقدية لاذعة انصهرت في حبر وألوان ذات خطوط ثقيلة ووجوه مصرية خالصة، استحق معها أن يلقب بـ''جبرتي الكاريكاتير''.
محمد عبدالمنعم رخا.. الميلاد ب''سنديون/ قليوب'' في 7 ديسمبر 1911 لأب يعمل قاضيا شرعيا، رحل الأب قبل أن يكمل ''رخا'' عامه الثاني، وانتقلت بعدها الأسرة للقاهرة وسكنت حي باب الشعرية، وهناك تربى ودرس الطفل، وتأثر بزخم مشاهد أولاد البلد والوجوه المصرية الأصيلة، فتأثرت بها كتاباته.
عشق للرسم وموهبة ظهرت مبكرا، مجلته المفضلة كانت ''اللطائف المصورة'' ذات التوجه السياسي الساخر، وقتها كان فن الكاريكاتير حديثا على المجتمع المصري بعد ثورة 1919، واحتكره الثلاثي ''الأسباني سانتوس'' بمجلة الكشكول، و''التركي رفقي'' بدار الهلال، والأرميني ''صاروخان'' بروز اليوسف، وحين أردا ''رخا'' دراسة الرسم رفضت اسرته واجبرته على دخول ''الخديوية الثانوية''، وهناك نصحه أحد مدرسيه بالإلتحاق بالقسم الحر بمدرسة ''دافنشي'' الإيطالية بالقاهرة.
حمل ''رخا على عاتقه'' ريشته قوية التأثير، كما حمل أيضا مسئولية ''تمصير الكاريكاتير''، وبدأت أعماله تنشر في مجلات ''المصري، الصباح، أبو الهول، المستقبل، مجلة المسرح''، وتحول رخا لـ''مصنع رسومات'' تنبض فيها عروق الوجوه المصرية، وصار ''الطربوش والملاية اللف'' أيقونات بارزة في رسوماته.
''رسمة أدخلته السجن''، ففي 1933 كان رخا يجسد بريشته إضراب السائقين بإحدى شركات النقل الأجنبية بالقاهرة، ورسم رخا ''أجنبي يحمل خنجر ويطعن العامل المصري في ظهره، بينما رسم ملامح رئيس الوزراء في ملابس عسكري يفزع في العامل بقول: وكمان وسخت البلد بدمك الزفر''، وهي الرسمة التي أودعته السجن بعد أن اضيفت لها بغير علمه عبارة ''يسقط الملك فؤاد''، ومثل ''رخا'' أمام المحكمة لتنتدب خبير خطوط يثبت تطابق خطه والمكتوب بالكاريكاتير، ويخاف المحامون من الدفاع عنه، ويحكم عليه بالسجن (9 شهور) بتهمة ''العيب في الذات الملكية'' ويكون ''عباس العقاد'' رفيق زنزانته بنفس التهمة أيضا، وحين جاء وقت الإفراج؛ توفي ''الملك فؤاد''، وسقط ''رخا'' من الحسابات ولم يصدر قرارا بالإفراج عنه إلا بعد 4 سنوات، يقول عنها ''رخا'': ''الملك ظلمني حي وميت''.
معرفة مع الأخوين ''علي ومصطفى أمين'' بدأت في ''سوق خضار باب اللوق''، حيث كان مكتب ''رخا''، وشهد الاتفاق المبدئي لمجموعة من الرسومات طلبها الأخوين مقابل (عربون 90 قرشا)، وكان وقتها ''رخا'' يعمل بـ''روز اليوسف'' بعد عناء مع رؤساء تحرير المجلات الرافضين لتشغيله بعد سجنه السياسي.
رحلة طويلة حاز فيها ''محمد عبد المنعم رخا'' تكريمات وجوائز عديدة، أهمها ''وسام الاستحقاق'' 1976، ''وسام الجمهورية'' 1981، وفي احتفاله بعيد ميلاده الـ75 بمقر ''أخبار اليوم''؛ فوجئ بمنحه ''جائزة مصطفى أمين'' كرائد فن الكاريكاتير المصري، بعد أن أنشأ وترأس ''الجمعية المصرية لرسامي الكاريكاتير'' مطلع 1984، وصدرت له بضع كتب تجمع أعماله أشهرها ''صور ضاحكة 1946'' يعرض فيه مشاهد ساخرة من حياة المصريين المجتمعية والسياسية.
ويرحل ''صاحب رفيعة هانم والمصري أفندي'' في 1989، بعد أن أسس مدرسة كاريكاتير مصرية خالصة، تخرج فيها أشهر رسامي كاريكاتير الصحافة المصرية أمثال ''صلاح جاهين، البهجوري، عبدالسميع، زهدي، مصطفى حسين''.
''رخا''.. جبرتي الكاريكاتير ''بروفايل)
منوعات -
محمد عبدالمنعم رخا .. جبرتي الكاريكاتير