كتبت – دعاء الفولي:
جلس "أحمد أنس باشا" جانب زميله "طه عبد الجواد"، على "دكة" واحدة، حضر السكوت، بدأ كلام المدرس "إسرائيل عدو"، نظر الزميلان لبعضيهما، سنهما التي لا تتجاوز العاشرة لم تمعنهما الاطمئنان أنهما سيكبران ليحارباه، صوت طائرة في الأفق، خلجة في قلب الصغار بالفصل خوفًا، خمس قاذفات وصاروخان انطلقوا تجاه مدرسة "بحر البقر" بالشرقية، نظر الأول لصديقه "عبد الجواد" المُلقى أسفل المقاعد الخشبية، التراب كثيف، والدماء وَحْش سيطر على الأجساد، ابتسامة متبادلة بين الصديقين، ثم رائحة البراح بالجنة.
الفصول تشهد، الحوائط والسبورة والأقلام كذلك، خمسون طفلًا أُصيبوا وثلاثون شهداء لم يعوا حسابات حرب الاستنزاف التي دخلت بها مصر عام 1970، إسرائيل تريد إجبار مصر على قبول مبادرة روجرز من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تقتضي وقف الفدائيين الفلسطينيين الموجودين بالأردن عملياتهم المُسلحة ضد إسرائيل، الصغار لا يعرفون السياسة، بينما تدهسهم هي فتفجع ذويهم.
بين الثلاث فصول والطابق الواحد التي تكونت منه المدرسة، تجولوا جميعًا، "مصطفى خميس" يدفع "سامي إبراهيم" يناكفه، وقف "أحمد عبد العاطي" يتحدث مع زميلته "نجاة محمد"، يحب التواجد معها، لا يفقه السبب، والد الأخوين "زينب عوض" و"محمد عوض" أوصى الولد أن يحافظ على أخته، يقبض على يدها بشدة بينما يعودان للمنزل بمركز الحسينية، لئلا يضايقها أحدهم، صلاح جاهين يبكي شعرًا "الدرس انتهى لموا الكراريس.. بالدم اللي على ورقهم سال".
المدرسة لا تسامح قاتلي أطفالها، كوم ترابها أصم، لكنه لا ينسى، تبريرات إسرائيل وقتها بأن طائرات الفانتوم التابعة لها قصفت أهدافًا عسكرية لم يشفع شيئًا، ولا للمجتمع الدولي رغم تنديده بالمجزرة عقب حدوثها، ثم نسيان متوقع، الذكرى لا تُحيا من جديد في الثامن إبريل من كل عام، لأن تفاصيل المجزرة لا تموت عند الآباء والأقارب، لازال "أحمد أنس" و"طه عبد الجواد" ينظران لبعضهما بالفصل المتهدم بابتسامة الواثق؛ يتوعدان إسرائيل.