كتبت - إشراق أحمد:
كلمة تلحقها آيات قرآنية، خطاب مدعوم بأحاديث نبوية شريفة، تبرير يصحبه قَصص من السيرة، أو رأي فقيه يخبر عنه المتحدث للتوجيه نحو موقف معين، فإعطاء صبغة دينية تقترب لنفس المستمعين؛ أسلوب استخدمه البعض بساحة السياسة ومُنح وصف ''استغلال الدين''، لم يكن بالضرورة داخل المسجد، ولا كان شرطه الانتماء للتيار الإسلامي بشقيه –الإخوان والسلفيين-، إذ كان وسيلة لضرب خصم سياسي في أحيان أخرى، لكن في مسجد ''الصالح أيوب'' بالدقهلية أخذ منحى ليس بعيدا عن الاستغلال.
لافتات تمتد لارتفاع يقترب من سبعة أمتار، تحمل اسم صاحب المحل الواقع أسفل المسجد ''طاهر أبو حمامة موزع معتمد''، تسد الرؤية عن المبنى الراجع تاريخه لعام 1243م، على الطراز المعلق كان بناء ''الصالح أيوب''، الدور الأول مخصص للصلاة والأرضي صٌمم ليسع محال يلجأ إليها المساكين والفقراء، حسبما قال ''مهند فودة'' مدرس مساعد بقسم العمارة–هندسة المنصورة-، والمنسق العام لمبادرة ''انقذوا المنصورة''، بمرور الوقت تحولت إلى مكتبات وغيرها من الأعمال التجارية المناسبة لطبيعة وجود تلك ''الدكاكين'' وأخيرًا إلى ''الموبايلات''، قبل 24 ديسمبر 2013 لم يكن هناك ضير لكن حادث تفجير مديرية أمن الدقهلية بات نقطة فاصلة في حياة المسجد، إذ أخدت اللوحات المعلنة عن المحال شكل مختلف بعد عمليات التجديد التي شهدتها بعد التفجير ''كانت الأول على قد المحل''.
771 عام عمر المسجد الذي نالت اللوحات من واجهته، فكان فعل التفجير به كما الإهمال؛ نوافذ غير موجودة، زجاج مهشم، أبواب وأسقف محطمة هو حال ''الصالح أيوب'' المنتمي للعصر الأيوبي حيث ولدت وقتها معالم مدينة ''المنصورة''.
''الأهالي مش حاسين إن في مشكلة بينتقدوا لكن مش بشكل مباشر وصاحب المحل هيرمي الحمل على شركة سامسونج'' الشهيرة التي صنعت تلك اللافتات لأصحاب المحال حسبما ذكر ''فودة''، فالرقابة غائبة عن المسجد رغم وقوعه خلف مديرية أمن الدقهلية، ويبعد ما يقرب من كيلو متر عن مبنى المحافظة.
20 عامًا يقبع متجر ''طاهر أبو حمامة'' لبيع أجهزة المحمول ضمن المحال الواقعة بالدور الأرضي للمسجد، منذ ثلاثة أشهر لم يفكر ''أحمد طاهر سوى بمصدر رزقه الذي دمره حادث التفجير، كغيره من أصحاب المحلات وجد من يكلف بتكاليف التلفيات فرحب بالأمر؛ تكفلت شركة ''سامسونج'' بترميم محله كحال ما يقرب من 10 آخرين غيره وتم الاتفاق على وضع تلك اللافتات بهذه الشكل قبل شهر ''المعلن ما يهموش غير إنه يبان'' على حد قول ''طاهر''.
لم يجد صاحب المحل ضرر من ذلك ''مش هنغطي على المسجد ما كل الناس عارفة أن هنا في مسجد''، لكنه في الوقت ذاته لا يمانع رفع اللوحة ''عادي الناس تشيلها بس يبقى كل المحلات تشيل''، فهذا شرطه الوحيد حتى مع مجيء موظفين من الحي والأوقاف قبل أسبوع وإخباره بإزاله اللافتات ''ممش ممانع بس الكل يبقى سواسيه''.
باتت محاولات المهتمين لضم المسجد إلى هيئة الآثار بالفشل وكذلك منع أعمال تشويه المسجد ''قدمنا طلبين قبل الثورة وواحد بعد حادث التفجير واترفضوا''، وأما الأسباب الملحقة بذلك لوجود المحلات تحت الجامع، ولأن الترميمات التي حدثت به عشوائية حسبما قال أستاذ العمارة الذي أوضح أن الأهالي هى من تتحمل مسؤولية المسجد كاملة فلا توجد ميزانية مخصصة له من وزارة الأوقاف رغم تبعيته لها ''كل رمضان من كل عام بيلموا من بعض ويشوفه إيه اللي ناقصه''، مؤكدًا ''فودة'' أن أصحاب تلك المحال ذات الواجهات المخالفة ''ممكن يكونوا مشاركين'' في ترميم المسجد الذي يخدم منطقة وسط المنصورة ''ودي منطقة كثافتها عالية جدًا طول اليوم أشبه بشارع عبد العزيز في القاهرة والمترديين على المسجد كتير''.
ومع أن ''الصالح أيوب'' يعد المسجد الوحيد الحامل للسمت التاريخي المتبقي في المنصورة بأكملها بين العديد من المساجد الحديثة المنتشرة بالمدينة، بعد هدم مسجد ''الموافي'' في التسعينيات لسوء حالة بنيته وبناءه على الطريقة الحديثة، غير أنه عانى التجاهل حتى وصل الأمر لذلك ''ده استغلال لحرمة المكان دون مراعاة لقدسيته'' قال ''فودة'' ملخصًا المشكلة في ''عدم تفعيل القوانين، وعدم تفاعل وزارة الآثار، والأوقاف التي لا تراقب على المسجد''.
''استغلال إيه إحنا اللي بنصرف على الجامع'' قالها ''طاهر'' مستاءًا من الاتهام الذي ألحقه البعض به، حيث شارك الرجل مع الأهالي لإعادة فتح المسجد بعد التفجير كما كانوا يفعلوا بالسابق ''بدل ما يصلحوا المسجد يتهمونا أحنا'' على حد تعبيره.
''إذا روج الإنسان لسلعة أيا كانت سواء عمل تجاري أو سياسي أو غيره واستغل آيات القرآن الكريم والأحاديث وفسرها على هواه من أجل ترويج بضاعته فهو استغلال للدين'' قال ''عبد الحميد الأطرش'' رئيس لجنة الفتوى السابق بالأزهر، موضحًا أن فعلة اللافتات تعد استغلال لمبنى المسجد ''وهذا ليس من حقه''، موضحًا أنه لو أدرك المستغل فعلته ما أقدم عليها.