كتبت- نوريهان سيف الدين:
وكالة صغيرة صبغت بلون ''الفحم''، تراصت حول جدرانها الأجولة، وعلقت ''الغرابيل'' على مسامير اعتلاها صدأ السنين، بينما ركن تحتها ميزانًا كبيرًا استخدمه الجد والأب والابن لوزن بضائعهم، في منتصف المحل كومة من التراب الأسود وبعض الحصى الصغير، وعلى عتبة المحل ثلاثة ''قفف'' وضع فيها الفحم الأقل جودة، وهو ما جعله صاحب المحل ''وهبة'' لعابري السبيل من مطلقي البخور في الشوارع والأزقة.
بيدين تلطختا بلون الفحم جلس ''محمد حسانين'' الموظف بمبنى الإذاعة والتليفزيون، يتابع الأخبار أمام ذلك التلفاز القديم، الوارث الوحيد لوكالة فحم بشارع الحسينية، تجاوزت سنوات عتبة الـ58 بشهور قليلة، في حين تجاوزت جدران وكالته أكثر من حوالي قرنا ونصف القرن من الزمان، موروثة أبا عن جد، لعائلة امتهنت تجارة الأخشاب والفحم بمختلف أنواعهم، ورغم تطور أدوات الطاقة والحرق، ورغم انصراف الأبناء لوظائف الحكومة بدلا عن التجارة، إلا أن ''محمد'' رفض بيع الوكالة وإغلاقها، حتى أنه امتثل لقرار هدم الأدوار العليا لها، بعد أن تضررت منذ 20 عاما؛ إثر زلزال 92.
''محدش دلوقت بيشتري الفحم''، قالها محمد ويداه تعبث بالريموت المغلف بالجراب البلاستيكي، كلماته القليلة المقتضبة لخصت حال تجارته، والتي أصبحت موقوفة على ''الكبابجية والقهاوي''، فنوعية الفحم الذي يبيعه هو ''النباتي''، مخصص للحرق الخفيف في أعمال الشوي أو تدخين ''الشيشة''.
أخبار قرأها ''الفحام'' عن اعتزام بعض المصانع تدوير آلاتها بالفحم، بعد فترة من أزمة في مجال الطاقة تشهدها مصر، وهو ما جعله يضحك ملء فيه ليرد على زبائنه: ''لا مش الفحم دا، دول بيستخدموا فحم الكوك اللي في مصانع الحديد والصلب عشان يصهر الحديد، إنما دا فحم يادوب يولع حتة بخور''، موضحا أن نوعية ''فحم الكوك'' هي الأغلى، وتوجد وكالات بيعها في مناطق ''السبتية والشرقية''.
تجارة وقفت صامدة في وجه ''الغاز الطبيعي'' الممتدة مواسيره في أرجاء الشارع، قال ''حسانين'': ''قبل ما الغاز يدخل كانت الناس تيجي تاخد فحم عشان تشوي، وحتى بياعين الفراخ والسمك بيشتروا مني، دلوقت الغاز أحسن وأنضف، ويادوب البيع بيكون كيلو أو اتنين في اليوم حسب الطلب''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا