كتبت- نوريهان سيف الدين:
''زينب، نورا، فاطمة، رانيا ووردة''، خمس صغيرات يتحدثن بلهجة هي خليط بين التركية والشامية، سرعان ما يتحولن بعدها للعربية المفهومة، يتشاورن فيما بينهن لتوجيه السائر في الطريق، أو أن يتوزعن على الأرصفة المتقابلة إن لمحن بعض الفتيات أو أسرة مقبلة، ''ابتسامة ثم إشارة ثم ضحكة طفولية عذبة''، تجعلك تتعاطف معهن ومع طريقتهن الاحترافية في إخراج ما بجيبك من قطع حلوى، يأخذنها وضحكاتهن تتعالى فرحا.
صغيرات لا تتجاوز أعمارهن أصابع اليدين، ضفائر طويلة، ملابس رغم كونها بالية؛ إلا أنها تزهو بألوان جميلة، كست أجسادهن الصغيرة المرتجفة بعض الشئ. بالتحديد من ''غجر حلب''، جئن برفقة أسرتهن منذ ما يقارب الشهرين، والدهن لم يستطع الحصول على عمل حتى الآن، ووالدتهن لا تغادر المنزل ''عشان عيب''، حسب وصفهن.
بإحدى شوارع الجمالية الضيقة، يتخذن من الساحة المقابلة لسبيل ''كتخدا باشا'' مكانا لهن، قطعة رخام ممدودة أسفل شباك نحاسي ضخم، اتخذنها هي الأخرى استراحة لهن في انتظار وافد جديد إلى الشارع، على مقربة خطوة واحدة منهن، جلس رجلان بعربة عصائر أمام محل لهما، اعتادا أن يعطيا كل واحدة منهن ''شوية سكر'' في كفوفهن الصغيرة.
سكان الشارع اعتدن رؤيتهن دون معرفة ما يتمتن به من كلمات غير مفهومة، إلا أنهم قالوا: ''عيال ناصحة بس شقية، طول النهار بيتنططوا عشان القرش''، إلا أن أكثر ما يقلق ''فتحية'' بائعة الخضر على مدخل حارتهن ''بخاف حد ياخدهم ولا يخطفهم''، أما بائع العصائر، قال ''محدش يعرف عنهم حاجة غير انهم جايين من سوريا، الستات عندهم هي اللي بتشتغل وتروح وتيجي، يعني لو في خدمة البيوت أو الطبيخ، بس ماتقدرش تشوف وش ست كبيرة فيهم''.
''نورا'' ذات الضفائر الطويلة الحمراء والقطعة المعدنية الموضوعة بأنفها، هي أكبرهن سنا وأقلهن حديثا، تكتفي فقط بابتسامة رصينة مرسومة على ملامحها الدقيقة وعيونها الحذرة، تتولى مهمة جمع النقود المعدنية اللاتي يحصلن عليها، أكثر ما تحرص عليه هو ''كيس بلاستيك'' صغير إمتلأ ببضعة جنيهات، حصلت عليها هي ورفيقاتها، تضعه بحرص داخل سروالها الأصفر المهلهل، فجأة يتقافزن وتهم الفتيات الخمس الصغيرات بالجري صوب ''حارة بيرجوان'' حيث بيوتهن، ولا تكاد تلمحهن حتى نهار اليوم التالي.