كتب- محمد منصور:
وافقت الحكومة، أمس، على استخدام ''الفحم'' ضمن منظومة الطاقة المصرية وذلك لسد العجز في الوقود الحفري التقليدي ''البنزين والسولار والمازوت'' وتطبيق مزيج طاقات يضمن أمن الطاقة فى مصر ويساهم إلى حد كبير فى الحد من أزمة نقص الطاقات فى مصر...القرار، الذي يراه البعض حلاً سحريًا لأزمة نقص الوقود، أثار العديد من ردود الفعل الغاضبة والمعارضة لاستخدام الفحم ضمن منظومة الطاقة بسبب تأثيرات استخدام الفحم كمصدر طاقة على الشأن البيئي فيما يرى أخرون أن الفحم قد يكون هو الحل الوحيد المتاح للسيطرة على نُدرة الوقود الآخذة فى التزايد وفتح بابًا جديدًا لمصدر وافر من الطاقة الرخيصة والفعالة.
''لا بديل''
بهذه الجملة يبدأ الدكتور محمد حسن أستاذ الطاقات المتجددة بجامعة ''أوتو'' الألمانية حديثه، مشيرًا إلى أن مصر بحاجة إلى أى مصدر من مصادر الطاقة وخصوصًا وسط أزمة النقص الحادة فى الطاقات فى مصر فـ''نحن لا نملك خيارً للمفاضلة بين أنواع الطاقات المختلفة''، ويري أستاذ الطاقات المتجددة أن التعامل مع الفحم يجب أن يكون بـ''ذكاء'' فيمكن استخدامه لتوليد القوى فى المحطات البعيدة عن وسط المدن التي تعاني من التلوث بالفعل، مؤكدًا أن الأثر البيئي للفحم يتضاءل أمام الاحتياجات العاجلة للطاقات. ويطالب الدكتور حسن الحكومة المصرية بالبدء فى مشروعات تنموية تعتمد على إرساء قواعد لمحطات الطاقات المتجددة ''الطاقة الشمسية وطاقة الرياح'' للحد من استخدام الفحم في المستقبل القريب ولجني ثمار تلك الطاقة فى عامين على الأكثر.
تملك مصر احتياطي مؤكد من الفحم يصل إلى 52 مليون طن، وفي تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة، فإن الفحم الحجري سيبقي المصدر الرئيسي للطاقة فى العالم حتي عام 2020 وخصوصًا مع تنامي الطلب عليه فى بلدان مثل الصين والهند، وتوقع التقرير أن يزداد استهلاك الفحم بنسبة تتجاوز 4500 مليون طن مكافئ بترول خلال العشر سنوات المقبلة، ويؤكد التقرير أن الصين هي المستهلك الأكبر والأكثر إنتاجًا للفحم الحجري – الصين تنتج 48 % من الانتاج العالمي تليها الولايات المتحدة 14 % ثم الاتحاد الأوروبي 12 % - حيث أن نصف المصانع المنشأة حديثًا تعتمد على الفحم بشكل رئيس فى توليد الطاقة، ويشير التقرير إلى أن انبعاثات الفحم الحجري تقتل 20 ألف شخص فى الاتحاد الأوروبي كل عام، ويؤكد التقرير أن ثمن معالجة الامراض الناجمة عن تلوث الهواء بانبعاثات الفحم الحجري قد تجاوزت 42 مليار دولار، وتُعد ''يوزلندا'' هي الدولة الأكثر استهلاكًا للفحم فى أوربا تليها رومانيا ثم ألمانيا.
''كارثة''
بهذه الكلمة يلخص الخبير البيئي ''مصطفي إسماعيل'' قرار الحكومة استخدام الفحم ضمن منظوماتها فى الطاقة، ويؤكد ''إسماعيل'' أن عوائد استخدام الفحم الحجري لن تكون على نفس قدر ضرره، فالانبعاثات الناتجة عن حرق الفحم تتسبب فى العديد من الأمراض منها سرطان الرئتين وسرطان الدم وأمراض جهاز المناعة علاوة على تشوه الأجنة، مشيرًا إلى أن الحكومة المصرية لن تستطيع تطبيق ما وصفته بـ''الالتزام بالمعايير البيئية'' مشيرًا إلى أن المصانع لن تلتزم بتقديم دراسات الأثر والتقييم البيئي ''المصانع دلوقتي بترمي مخلفاتها فى النيل وبيسمموا الأراضي وبيدفنوا المخلفات وتقولي هيقدموا دراسات تقييم فى موضوع الفحم.. أبقي قابلني''.
يري الخبير البيئي أن خطورة الفحم لا تتمثل فى عمليات الاحتراق للحصول على الطاقة فقط، بل تتعدي ذلك إلي كل مراحل صناعة الفحم، فاستخراج الفحم ينطوي على مخاطر جمة للعمال، وعمليات نقله تتسبب فى خطر انتشار ذرات الفحم عند التحميل أو التنزيل مع وجود مخاطر جمه لها علاقة بتطاير وانتشار غبار الفحم فى الهواء؛ وهو الأمر الذي سيتسبب فى إصابة الملايين بالأمراض الصدرية والسرطانات، ويؤكد ''إسماعيل'' أن المركبات الناتجة عن احتراق الفحم ''أكاسيد النيتروجين وأكاسيد الكبريت'' لها عظيم الضرر على صحة الإنسان وتوازن البيئة داعيًا الحكومة إلى سحب قرار استخدام الفحم على الفور ''أحنا مش ناقصين تلوث.. كفاية تلوث الماء والتربة اللى عندنا''.
على الجانب الأخر، يؤكد خبراء اقتصاديات الطاقة أن الفحم ضرورة فى توليد الكهرباء في مصر خصوصًا مع محدودية احتياطيات الغاز علاوة على ارتفاع تكلفة الغاز الطبيعي، ويشير ''جان شارلييه'' فى كتابه ''الجانب الخفي من البترول'' إلى أن استخدام الفحم الحجري فى توليد الكهرباء سيؤدي إلى خفض تكلفة الانتاج بمعدل كبير، وهو الأمر الذي يُعني التوسع في توليد الكهرباء وهو ما سيؤدي إلى زيادة معدلات التنمية المستدامة.
ويستخدم الفحم الحجري فى توليد الكهرباء في العيد من البلدان حول العالم، فحسب الاحصائيات، فإن أكثر من 40 % من طاقة العالم الكهربائية تُنتج عن طريق عمليات احتراق الفحم الحجري، وتبلغ نسبة الطاقة المولدة فى الصين عن طريق الفحم إلى 78 % فيما تبلغ نحو 50 % فى الولايات المتحدة الأمريكية و 59 % فى دول الاتحاد الأوروبي.
توفير 5 مليارات جنيه
''هنوفر 5 مليار دولار فى السنة'' يقول مدحت إسطافانوس رئيس شعبة الإسمنت باتحاد الصناعات، مؤكدًا أن الفحم يُعد هو الخيار الأوحد فى الوقت الحالي لإنقاذ صناعة الإسمنت والأسمدة – صناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة – وخصوصًا مع النقص الحاد في المازوت ''عندنا 24 مصنع بيستخدموا 450 مليون قدم مكعب مازوت فى اليوم''، ويري ''إسطافانوس'' أن استخدام الفحم فى مصانع الإسمنت سيخفض من تكلفة الانتاج وهو الأمر الذي سيخفض بدروه من أسعار الإسمنت وهو ما سينعكس على حركة البيع والشراء وتتسبب فى دوران عجلة الاقتصاد المصري.