كتبت- يسرا سلامة:
وسط أكوام من الزلط والطوب تحت قدميها، كانت ''فاطمة'' تمشي على مهل، تتحرك متكأة على يد ابنها الشاب ''علي''، تلتفت يمينًا ويساراً خوفاً من قدوم القطار قبل مرورها إلى البر الآخر، دقائق معدودة أخذتها السيدة الخمسينية لمرورها في محطة حدائق المعادي.
على أرض المحطة لا شئ يبرز معالم اسم المحطة كأخواتها، لا أحد يعرف الاسم سوى من ألفوها، أو من قرأوا بأعلى الشريط الأبيض داخل عربات الخط الأول من المترو، غير أن الفوضى وصف لها يعرفه الجميع.
في محطة مترو ''حدائق المعادي'' تتصارع الأجساد علي شريط أسمنتي صغير يمثل رصيف لا يزيد عرضه عن المتر الواحد، كي تذهب إلى باب المحطة، سيدة تلفظ الشهادة بعد أن كادت تسقط على قضيب المترو، فالرصيف هنا لا يحتمل وقوف اثنين بجانب بعضهما البعض، بسبب الأعمال والإشغالات التي تحيط بالمكان، وتجعل المحطة ثقيلة على قلب زوارها.
لم تقتصر المشكلة في حدائق المعادي على رصيف متأكل، أو إشغالات من الرمل تعيق الحركة، فهذا لا يشكل خطرًا على الركاب، كما يفعله مروروهم من أمام عربات المترو، في طريق ''غير شرعي'' بدلًا من كوبري المشاة الموجود خارج المحطة.
من أمام الممر الواصل بين شريطي القطار تقول ''فاطمة علي'' إنها تعرف تمامًا أن الأمر فيه خطورة على حياتها، لكن ألم ظهرها وخشونة الركبة جعلاها تختار الطريق الأسهل لعبور الطريق إلى الجهة الأخرى ''أنا عارفة أنه غلط وخطر بس هنعمل ايه؟''، كذلك يُلقي ابنها ''علي'' المشكلة على عاتق مسئولي الأمن بالمحطة ''هما اللي عملوا السلالم نهاية كل رصيف عشان الناس تعدي بالشكل الغلط ده''.
ويقول ''محمود البنا'' ناظر محطة مترو ''حدائق المعادي'' إن أزمة المرور في المحطة مقصورة على الناس، مشيراً إلى أن الأمن فيها منع المرور أمام عربات المترو، لكن مجموعة من البلطجية هدموا الحواجز الحديدية، وفتحوا الطريق ''الناس بتكسل تطلع السلم، الكبار والصغيرين''.
انذارات عديدة، وتلويحات باليد وبالصوت العالي، كلها سُبل يأخذها رجال الأمن في المحطة، كي يحذروا الركاب من المرور أمام العربات، وألا يغامروا بالمرور عند اقتراب المترو، لكن لا أحد يستجيب، بحسب ناظر المحطة ''إحنا قلنا للناس، عشان المصلحة العامة، لكن الناس بتستسهل''.
شهرين فقط هي المدة التي وضعها ''البنا'' كحد أقصي تنتهي فيها الأعمال بالمحطة، ويتوقف حينها مرور الركاب من أمام العربات، وكذلك قالها ''طارق''
أحد العمال في المحطة، مشيرا إلى أن التسليم سيكون في نهاية شهر أبريل، علي الرغم من أن المدة الموضوعة لها ترجع إلى عام 2010 بتكلفة تصل لـ 27 مليون جنيه، وإنها كان من المفترض أن تنتهي في عام 2011.
''المعدية الممنوعة'' كانت أيضاً الطريق الذي أخذته ''ميادة'' و''فاطمة''، في طريقهما من المنزل إلي مدرستهما الثانوية الصناعية بحلوان، لكن ''ميادة'' تخشى الطريق، تقول بصوت ضاحك ''أنا حلمت قبل كدة أني علي القضبان والقطر عدي عليا'' لذا تتردد أكثر من مرة في العبور، وكانت قد قطعت وعداً بألا تمر لولا تشجيع ''فاطمة''، والتي ترى أن السلم الآخر طويل ويزيد من تأخرها، لذا تستسهل المرور من أمام العربة.
حيطة وحذر أخذتهما ''أم أدهم'' عند مرورها أمام مزلقان محطة ''حدائق المعادي''، عين على الطريق، وأخرى على طفلها ''أدهم'' الذي يركض علي المزلقان، وفي يدها طفل آخر، تقول السيدة إنها تمر كل أسبوع من نفس المزلقان لزيارة والدتها، يمنعها الكسل الصعود إلى أعلى السلم القابع خارج المحطة، رغم خوفها في ذات الوقت على أطفالها.
لم يتوقف الأمر فقط عند حدود المرور بين القضبان، غير أن عمليات الإصلاح الموجودة على الأرصفة قد تكون سببا في إصابة الأشخاص بسبب ''البروز الحديدية'' وكذلك ''الحفر'' المتكررة على طول الرصيف.
''الحل في السلم الكهرباء''.. هذا ما انتظره الرجل السبعيني ''محمود الشربيني'' الذي يمر هو الآخر من أمام عربة المترو، تاركاً السلم الذي يستقر أعلى المحطة، كبر سنه يمنعه من صعوده، يتمنى أن تنتهي الأعمال في المحطة سريعًا من أجل راحته، أثناء عبوره يوميًا من وإلى عمله.
خطورة المشكلة لم تمنع ''أم هبة'' من ساكني حدائق المعادي من العبور أمام عربات المترو، وتقول إنه في إحدى المرات توقف سائق المترو لها خصيصًا كي تعبر ''كدة أسهل بكتير، لغاية ما المحطة تنتهي''.