كتب- دعاء الفولي وإشراق أحمد:
زحام خانق، يعلو نفير سيارات بدت لا تتحرك، كوبري الدقي يطل على المشهد خاليًا من إحدى جهتيه المؤدية إلى جامعة القاهرة بعد أن تصدرت حارة صعوده عربة ''حماية مدنية'' معلنة إغلاقه، بينما تسير بعض المركبات على الجهة الأخرى، أب وابنته، صديقان، ومجموعة أطفال مع أحد أقاربهم، ساروا على الكوبري بدلًا من الطريق السفلي الممتلئ، جمعتهم به تجربة جديدة بسبب حدوث انفجار بجانب جامعة القاهرة. 20 دقيقة صاحب بها ''مصراوي'' رفاق الكوبري.
''كيس'' شفاف به مجموعة من الحلوى، يد ''إنجي'' ذات العشر سنوات تمسك بأبيها ''طارق رضوان''، يسيران بروية فوق الكوبري، ينظران للأسفل، تلوك أسنانهما قطع الحلوى، عائدان من مدرسة الصغيرة في منطقة الدقي كانا، الخوف لم يكن حليفهما رغم ما حدث ''دي أول مرة نمشي فوقيه''، اضطر الأب الأربعيني لترك سيارته بالجهة الأخرى من المدرسة والعبور حتى الوصول للابنة، أما ''إنجي'' فلم تشعر بالانفجار داخل المدرسة ''مسمعناش عنه حاجة''.
3 فتيات لا يزيد عمر أكبرهما عن 7 سنوات، تقبض يد سائقهم اليمنى على يد أكبرهم والأصغر، واليد اليسرى تمسك بالثالثة، كانت الطالبات يتقافزن ضاحكات، تفلت إحداهما من قبضة السائق لتركض قليلًا على الكوبري، يحاول أن يضمهما إليه مرة أخرى، يسير خلفهما ''أسامة إبراهيم'' خالهم الذي لا يتجاوز الثامنة عشر من عمره ''كنا بنجيبهم من المدرسة''، لم يشهد إغلاق الكوبري من قبل ''بس المشي فوق الكوبري أرحم من الزحمة اللي تحت''، تتوقف الفتيات عن السير ومعهن السائق، تصر إحداهن على التقاط صورة فوق الأسفلت الخالي من السيارات، تنضم إليها أختاها الأصغر، مع ابتسامة لا تبرح الثغور.
على عكسهن كان المهندس ''محمد شكري''، متجهمًا، أسرعت خطواته قدر المستطاع ''عندي معاد مهم''، فوجئ بالانفجار الذي هز أرجاء الجامعة وبتوقف الطريق ''هنعمل إيه؟ لازم ناخدها موتو رجل عشان أكل العيش''.
خطوات متأنية يتقدما بها على الكوبري الخالي إلا قليل من السيارات وكذلك المارة، انقضى يوم عمل كل من ''محمد رزق''، ''رامي محمد'' بوزارة الزراعة، بدا عليهما الاطمئنان في طريق العودة إلى منطقة سكنهم بالجيزة، حاملين حقائبهما الأول على كتفه الأيمن والثاني تتدلى من يده اليمنى، لا مفر في ذلك اليوم سوى ''المشي''، مقررين الابتعاد عن زحام السيارات بالأسفل وإن لم يختف صوتها أعلى الكوبري.
المرة الثانية التي يسير بها ''رزق'' على الكوبري شاهدًا خلاءه ''أول مرة بليل في يوم''، على عكس صديقه ''محمد'' الذي يعبره المرة الأولى مشيًا على الأقدام وليس مستقلًا ''ميكروباص''.
تليفونها بين يدها، واضعة سماعته متعجلة في مشيتها، فقد اتفقت مع ابنتها ''مروة'' على التقدم حتى يلتقيا، ''نرمين صلاح'' تركت سياراتها عند منزل كوبري أكتوبر لكي تتمكن من إحضار ابنتها طالبة الصف الأول الإعدادي بمدرسة ''العروبة'' الواقعة قرب نهاية شارع ''الدقي''، لم تقلق ''صلاح'' لسماع خبر التفجير بميدان النهضة، بقدر المسافة التي اضطرت إلى قطعها حتى تصل لصغيرتها ''أنا ساكنة في أول فيصل وسبت العربية عند منزل الكوبري وجايه كل ده مشي عشان اقابلها ونرجع نعمل إيه''.
''حاسة بنار جوايا من اللي بيحصل حسبي الله ونعم الوكيل''، تسير السيدة الأربعينية محملة بذلك الشعور لا تعبأ بكونها المرة الأولى بحياتها التي تسير بها على الكوبري الذي تقطعه يوميًا ذهابًا وإيابًا من أجل ابنتها ''باجي بالعربية بيبقى زحمة عند الجامعة لكن إلى حد ما بيبقى كويس عشر دقائق ربع ساعة بوصل'' باستثناء أوقات الأحداث مثل اعتصام النهضة والاشتباكات الواقعة بالجامعة حينها تطول الفترة المستغرقة لعبور الكوبري.
قبل نهاية الكوبري التقت الأم بـ''مروة'' الابنة التي اقتطعت مسافة من صعود الكوبري حاملة حقيبة الظهر المدرسية، ليواصلا معًا طريق العودة إلى السيارة المنتظرة، تقفز الفتاة على رصيف الطريق الخالي، بينما تتمنى الأم العاملة بمحكمة النقض ''لو القضاء يسرع ويعدم واحد ولا اتنين محدش يعمل كده تاني''.
ابتسامة تملأ وجوههما، وخطوات متحمسة لخوض المغامرة التي لا تأتي كل يوم، عابرين الجانب الخالي من السيارات، فقط نظرة إلى اليمين قبل المضي نحو الكوبري، حاملين حقائب الظهر المدرسية، قرر ''مصطفى حسام'' وأخيه الأصغر ''محمد'' مثل غيرهما القليل العودة إلى منزلهما بالعجوزة سيرًا على الأقدام فوق الكوبري، يتملكهم إحساس بنشوة تلك الكلمة ''الشارع بتاعنا'' غير مهتمين كثيرًا بالتفجير الذي وقع قرب مدرستهم، إذ انقضى اليوم كغيره.
عند منزل كوبري الدقي جلس ''سعد على نوبي'' على دكة قديمة يراقب الأجواء، يحرس أحد العقارات ''أول مرة الكوبري يتقفل الفترة دي''، لم تزد مدة توقفه عن العمل أكثر من دقائق، على حد قول الرجل الخمسيني، أما تلك المرة ''بقالهم أكتر من ساعة وشوية قافلينه''، داخل العقار الذين ينام به ''النوبي'' تأتيه أصوات ازدحام المركبات فوق الكوبري ''بيفضل زحمة لحد 3 بليل مبيبطلش''، يجافيه النوم بسبب الازدحام ''لما قفلوه انهاردة قلت يمكن أعرف أنام'' يقولها ضاحكًا ثم يستدرك ''بس هما على المغرب هيفتحوه أكيد''.
في المرات السابقة التي أُغلق فيها الكوبري كانت الأسباب مختلفة ''بتبقى عشان المظاهرات اللي في الجامعة بس بيفتحوه بعدها علطول''، أو عند مرور مسئول مهم ''وزير الداخلية كان معدي من 20 يوم مقفلوهوش مجرد وسعوا الطريق عشان الوزير يعدي بس''.