كتبت – دعاء الفولي:
تضرب الشمس الطريق، تمر السيارات مُسرعة على الطريق الدائري، تُبطيء الميكروباصات قليلًا، تخرج هي بخمار كبير، تنظر أسفل قدميها، قبل اتخاذ خطوة أولى نحو السلم الحجري، المؤدي نزولًا لشارع ''عثمان مُحرم'' بمنطقة الطالبية بحي العمرانية، بعد عدة درجات تهبطها مستندة إلى الدرابزين، تبدأ أنفاسها بالتصاعد، مرض قلبها يزيد الوطأة، تذهب لوالدتها التي تسكن بنفس الشارع يوميًا، تضايقها تعرجات السلم المنقسم إلى جهتين، فتختار الثانية لسهولة النزول منها، فيما يساورها الشك في كل مرة؛ خشية السقوط أرضا.
منذ أكثر من خمس سنوات كان سلم الطريق الدائري المُطل على الطالبية ليس موجود، قررت الحكومة بناءه لتيسير الطريق على السكان، بعد أن كانوا يعتمدون على الأحجار المتراصة نزولًا للأسفل. لم يكن واحدًا، أكثر من سلم تم توزيعها على طول الطريق في الأماكن الأكثر حيوية، مع الوقت والاستعمال تهالكت السلالم، ليقوم الأهالي منذ ما يقرب الثلاث أعوام بإعادة تجديدها على نفقة بعض سكان المنطقة، لكنها ليست مهيأة تمامًا رغم ذلك.
''عبلة محمد'' ذات الخمار بني اللون، أبدت امتنانها للسلم الذي شيده الأهالي، رغم صعوبة استخدامه ''انا عندي القلب وهو عالي بس أهو أفضل من مفيش''، لا تتخذه السيدة السمراء لها مسلكًا عند العودة لمنزلها الكائن بالهرم ليلًا ''بركب مواصلات من جوة أحسن، بتبقى أطول بس أضمن من الطلوع عليه والدنيا بتبقى ضلمة''، عواميد النور الموجودة أعلى السلم على الطريق السريع تُضفي أمانًا لمن يستخدمونه ''بس ساعات بتبقى قاطعة''.
من أكثر من ثلاثين عامًا يقطن ''جمال عشري'' المنطقة، اعتاد نزول وطلوع السلم بسبب عمله، لكن ''الحفرة'' الموجودة لجانبه تمثل مشكلة أكبر ''كان فيه زبالة كتيرة هنا جه لودر تبع شركة جايبها الحي عشان يشيلها قام مكسر حتة من النزلة''، يقولها بينما ينهر طفل صغير جلس على حافة السلم، ينادي على والدته لتبعده.
يعمل ''عشري'' كبائع للشاي فوق الدائري، أثناء ذهاب الموظفون لأعمالهم ''الواحد بيشوف حاجات صعبة''، الازدحام الذي يملأ المكان يضاعف الخطر، على حد قوله، سواء من نزول السلم ''ناس كتير بشوفها بتتكعبل لأن السلم برضو مش أد كده''، أو من الحفرة ''فيه ناس بتعدي الحاجز الخرساني وتقف جوة من كتر الزحمة وكذا مرة ناس مبتبقاش واخدة بالها كانوا هيقعوا لولا ستر ربنا''.
محاولات من ''عشري'' والأهالي لإقناع الحي بسد الهوة وإصلاح السلم ''جم كذا مرة وقالوا هنعمل ومفيش حاجة''، لا تنقطع تخبطات المواطنين فوقه وإن كانت بسيطة ''أهالي المنطقة بيقولوا للناس يخلوا بالهم ساعات وساعات تانية مبنعملش حاجة، مش الكبار بس اللي بيقعوا حتى الشباب بياخدوا غدر برضو''.
أسفل الصاج الخشبي حيث يبيع ''تامر بركة'' البنزين، جلس واثنين من أصدقائه ''لمينا من بعضنا وعملنا السلم هنا والناحية التانية''، قال ''بركة''، لم يكلفهم بناءه مبلغًا ضخمًا ''حوالي 1000 جنيه''، اشتروا الطوب من تاجر بالمنطقة، بينما تكفل أحد الأهالي بدفع معظم المبلغ، جلوسهم بجانبه جعلهم كمن فُرض عليهم الاهتمام به ''بنجيب عيال صغيرة تنضفه كل فترة وبنديهم فلوس''.
لا ينتظر الأصدقاء الثلاثة مسئولو الحي ''اللي عامل الحاجة عاملها لله وفي الآخر دي منطقتنا''، كذلك كان رأي ''سيد إبراهيم'' الجالس أعلى الكوبري الدائري داخل كشك يتبع محافظة الجيزة، يحصل رسومًا من ''التريلات'' المتجهة للمحاجر ''مش لازم الحكومة تعمل كل حاجة''، رغم أن السلم الأول الذي أنشأته لم يكن جيدًا، فهو بدون درابزين من الجهتين ''بس مش معقول الحكومة كل ما السلم يبوظ هتعمل واحد جديد''.