كتبت- رنا الجميعي:
حلقات الدرس، المجموعة التي تجلس في خشوع منصتة لكل حرف ينطق به المعلم، والأيدي التي تُرفع كسهم ثاقب دالة على وجود استفسارات عدة لإجابة رب الحلقة عليها، والابتسامة المصحوبة برد على الأسئلة، إجابات تُشفي وتثير أسئلة أخرى، غير أن تلك الأجواء كانت ما نسمع عنه في قديم الزمان كشهب بعيدة نراها من الحين والآخر ولكن لا ندركها، لتُخرج عقولًا أينعت، تمشي على الدرب.
في الحاضر القريب، تجلس الأستاذة صاحبة الدرس، على كرسي، في مسجد السلطان حسن، ويجلس التلاميذ حولها متناثرين ليصنعوا حلقة واسعة، فتيانًا وفتيات ابتغوا العلم فريضة ومشوا في سبيله، تعلوهم ثريات مُدلاة من السقف، وخلفهم صحن واسع ليس بينه وبين السماء شيء، ليأخذوا العلم من الدكتورة ''هبة رؤوف''، أستاذة العلوم السياسية في جامعة القاهرة، بينما تقوم بشرح كتاب ''مقدمة ابن خلدون''، مؤسس علم الاجتماع، وقبيل إتمام الدرس عامه الأول، سرعان ما تم إيقافه بقرار من وزارة الأوقاف.
ما إن عرفت ''نشوى نور''، تعمل في مجال هندسة الاتصالات، في شهر مايو الماضي من خلال موقع ''فيس بوك'' عن حلقة العلم التي تسعى لتنفيذها دكتورة ''هبة رؤوف''، حتى قررت الذهاب إليها ''يومها كان زحمة ومليان مشاوير بس أنا صممت أروح الدرس''.
حلقة الدرس.. ''لحظة قدسية''
يُقدم الدرس يوم الثلاثاء بعد صلاة المغرب ليمتد لصلاة العشاء، ولكن بعد أحداث 30 يونيو تغير الميعاد ليصبح يوم الجمعة قبل الصلاة، وبدأت أستاذة العلوم السياسية بشرح أجزاء من المقدمة ''وكانت بتسقطهم على الواقع''، وتوزع على تلامذتها المذكرات الخاصة بالدرس القادم ''وكنا على جروب الفيس نتناقش فيه''، كما يقوم ''منسق الدرس'' بإضافة الجزء الخاص التي شرحته دكتورة ''هبة'' في كل حلقة على موقع الفيس بوك ''دكتورة هبة كانت بتمنع أي حد يصور فيديو أو صوت للدرس، كانت شايفة إن الدرس لحظة قدسية وعلينا إننا نركز فيها''، تقول نشوى.
شرحت دكتورة ''هبة'' عدة أفكار بالمقدمة كتلك الخاصة بإدراك السنن الكونية ''شرحت ازاي اننا دلوقت منغمسين في التفاصيل الصغيرة ومبقاش عندنا رؤية عامة''، وفكرة العصبية المنتشرة على جميع الأصعدة، والأرحام والجيرة ''اتكلمت عن ازدياد نسبة الجيران في العمارة، دا بيخلي محدش يعرف التاني، عشان كدا الرسول وصى على سابع الجار، لأن دا العدد اللي ممكن الشخص يقدر يعرفه في محيطه''.
مع تعدد حلقات الدرس حاولت الأستاذة القيام بتنويعات فيه ''بدأت دكتورة هبة تزود كتب تانية نتناقش فيها منها كتب خاصة بمكارم الأخلاق''، كما حاولت ألا يقوم المتلقين بأدوار سلبية تتلخص في الاستماع فقط ''بدأت كمان تكسر فكرة المتلقي السلبي، كل خمسة قاعدين جنب بعض يتعرفوا وكانت بتحاول تخلق نوع من الحميمية بين الناس، وبتحفز الكل تسأل، وطلبت مننا بعد انتهاء الدرس كل واحد يكتب ورقة بخط أيده يكتب هو فهم ايه من الدرس ومراجعاته عليه''.
الحاجز.. ''قصاري زرع''
خلقت أجواء الدرس حول شخصية متفق عليها من اتجاهات مختلفة نوعًا من الاختلافات في أطياف الحاضرين ''قدرت دكتورة هبة انها تكسر حاجز الاستقطاب، كان فيه شباب من كل الاتجاهات وبنات محجبات وغير محجبات'' كما كان يقدم على الدرس شباب يأتون من المحافظات ،ولفصل الفتيات عن البنين لم يوضع ستار بينهما ولكن ''كان فيه قصاري زرع بتتحط بينا فكان بيبقى حاجز جميل''.
لم تتطرق دكتورة ''هبة'' إلى السياسة على الإطلاق، حسب قول ''نشوى''، وهو ما عاب عليها البعض فيه وآخرين رأوا أن لديها هدفًا واضحًا لن تحيد عنه.
لم يقتصر دور الأستاذة على إلقاء الدرس فقط ولكن قامت بحضور الدرس التالي لدرسها عن الأدب المفرد، ويقوم عليه الشيخ خالد حماية، خطيب المسجد ''ودا شجعنا نحضر دروس تانية''.
بعض اللقطات في حلقات الدرس لم تنساها ''نشوى'' وطُبعت في ذاكرتها ''كنت واقفة في مرة ولقيت دكتور هبة جاية تصلي جنب بنت صغيرة بتصلي ببنطلون فراحت طبطت عليها وحطت عليها عباية كانت معاها''، موقف آخر لم تنسه الفتاة العشرينية للأستاذة عن الواجبات التي تتقرر عليها ''علقت دكتورة هبة على أغنية على الحجار ''احنا شعب وانتو شعب'' وقالت لنا دوروا في قصص الأنبياء عن لهجة الأنبياء في مخاطبة قومهم وانه مكنش فيها العصبية والتفرقة دي''.
لم تُصدم ''نشوى'' في قرار منع الدرس ''كانت حاجة متوقعة في ظل التضييق اللي بيحصل''،حتى الآن يتناقش المهتمين بالدرس على موقع الفيس بوك في ''جروب''
خاص بهم ''النقاش مستمر على الجروب ودكتورة هبة بتناقش عليه بس مش زي الدرس في المسجد''.