القاهرة- (هنا صوتك):
دائماً ما تتشدق المجتمعات الشرقية بأن الرجل هو المسؤول الأول والأخير في حياة أسرته، سواء كان والداً أو أخاً أو زوجاً. أما الواقع فيثبت العكس تماماً، فتجد الأم هي المسؤول الأول عن تربية الأبناء في معظم الأسر العربية، ولا تجد للأب دورا يُذكر، بل وتجد معظم طلبات الأبناء تتوجه للأم بالأساس.
ولو ركزت في أحداث حياتك، ستجد أن أول من يبادر بمساندتك في أحلك الظروف من الإناث. تجدهن يتصرفن في المواقف الصعبة أسرع من الرجال، ربما يعود ذلك لتنشئتهن على تحمل المسؤولية منذ الصغر. تنشأ الأنثى على أنها شخص مسؤول، فهي الأولى بمساعدة الأم في المنزل، فلا يليق بالولد أن يفعل ذلك، وهي المسؤولة عن راحة أبيها وأخيها طوال الوقت، فهي خليفة الأم في مسؤوليات المنزل، وكأنه ميثاق عُرفي غير مكتوب.
وحياة الفتاة مُسخرة لخدمة من يحيطونها من ذكور، ودراستها وعملها يُعدان من قبيل الرفاهية؛ فتجد الأم لا تستطيع تأخير ابنها على محاضراته أو عمله لقضاء حوائجها؛ في حين لا يكون الأمر كذلك مع ابنتها.
العمل رفاهية للأنثى
تقول رانيا، وهي فتاة قاهرية عاملة عن ذلك الفرق الذي تلاحظه من أسرتها: ''دائماً كان والداي يطلبان مني قضاء احتياجات المنزل، ولا يطلبان شيئا من أخي، بحجة أنه دائماً مشغول، وفي بعض الأحيان يطلبان مني عدم الذهاب للعمل لقضاء تلك الاحتياجات؛ وكأن عملي من قبيل الرفاهية'' وتضيف: ''بعد عمل أخي بدولة أخرى أصبحت المسؤولة عن استقباله بالمطار في إجازاته، بل وعند زواجه كنت أنا من اهتم بترتيب بيته لعدم وجوده''.
البنت لأهلها
وتقول أم مصرية، فضلت ألا تذكر اسمها: ''نعم هناك فرق بين البنت والولد، البنت في مجتمعنا تنتمي لأهلها بالدرجة الأولى وليس لها أي انتماء آخر حتى تتزوج، أما الولد فهو لا يعتاد تحمل أي مسؤولية إلا بعد زواجه؛ فإذا ما احتجت أي مساعدة مادية في البيت، ألجأ لابنتي العاملة أولا، ربما لأنها الأقرب لي، وربما لأني لا أرى لها التزامات أخرى، مثل ابني''.
وتقول أروى، وهي متزوجة وتعيش في القاهرة: ''أعمل الآن في ثلاث وظائف لسد احتياجات البيت''؛ وتروي أن زوجها كان في وظيفة مدير منذ ثلاث سنوات بإحدى شركات الخليج، ولكن بعد تسريح جزء كبير من العمالة اضطر للرجوع إلى مصر. المؤسف، حسب قولها، أنه منذ ذلك الحين لم يلتحق بأي وظيفة ولا يرضى بقبول أي وظيفة دون مستواه الوظيفي السابق . وتضيف: ''زوجي لا يهتم بمسؤولية المنزل المادية بقدر اهتمامه بألا يتنازل عن متطلباته. نعم زوجي لا يعمل منذ ثلاث سنوات، ونعم أنا من أنفق على كل احتياجات البيت والأولاد، ولكن ذلك لم يثر لديه أي رغبة في التنازل عن طلباته المظهرية. فالمسؤولية لديه في مرتبة أدنى من طموحه وكرامته''.
المسؤولية أنثى. هذا هو الوضع المتأصل في مجتمعاتنا بالتربية؛ فهل سمعت يوما أماً تقول لابنها: ''حضّر الطعام لشقيقتك لأنها متعبة بعد يوم شاق في عملها؟'' لا. لم ولن تسمعها.
وتستغرب الأنثى تلك المعاملة المزدوجة، فتجد نفسها المسؤول الأكبر في قضاء الاحتياجات ومشاوير البيت حتى لو لوقت متأخر، وكذلك مسؤولة عن تلبية مطالب ذكور العائلة، وفي الوقت ذاته، إن طالبت لنفسها بوقت خاص للخروج أو السفر مع صديقاتها تجد طلبها قوبل بالرفض: ''أنتِ بنت ما ينفعش!'' وكأن أنوثتها لها توقيت معين تتذكره الأسرة، وهو بالطبع ليس نفس توقيت طلباتهم اللامتناهية.
لا تتظاهروا بتحملكم المسؤولية، فالمسؤولية أنثى اسما وصفة وفعلا. والسبب في ذلك التربية المعيبة التي تُفرق في تحمل المسؤولية على أساس الجنس، فتقوم الأنثى بمعظم الأدوار، إن لم تكن كلها، ولكن يظل الذكر هو المسؤول بالاسم والمظاهر فقط.
أتعجب من أمهات عانين من تحمل ما يفوق طاقتهن لعدم تحمل الرجال في حياتهن مسؤولياتهم، ومع ذلك يربين أولادهن بنفس الأسس المجتمعية المعيبة.
التربية الصحيحة بعيدا عن تكرار الأخطاء المجتمعية الشائعة هي الحل.