كتبت- ندى سامي:
تستقر أمام الباب، تراقب المارة من وراء نقابها، حاملة معها عصا خشبية طويلة تتكئ عليها حينًا، وأخرى تضرب بها من تسول له نفسه ليضايق إحدى الفتيات، التي وكلت نفسها حارسا عليهن.. نبيلة أو ''أم هبة'' كما يناديها البعض بين محيىً ومستغيثَ.
المكان: مجمع المدارس بشارع الهرم تحديدًا المدرسة التجارية الفنية بنات.
الزمان: مع دقات السابعة صباح كل يوم.
بخطى متسارعة تصطحب السيدة الأربعينية ابنتها إلى المدرسة وتودعها عند الباب متمنيه لها النجاح، ولا تعود إلى منزلها أو عملها كغيرها من أولياء الأمور الذين اعتادوا توصيل أبنائهم إلى المدرسة كل صباح، ولكنها تقبع أمام الباب لتزاول عملها الخيري، على حد وصفها، في حماية بناتها وزميلاتها من ''التحرش''.
أصوات عالية وصياح وتراشق بألفاظ نابية والضحية فتاة في زيها المدرسي تحمل حقيبتها في طريقها إلى مدرستها تداعب نسمات الصباح، وتفترشها بساطًا لأحلامها، قبل أن تقع فريسة لعدد من الصبية ويتحرشون بها، فتتدخل نبيلة مسرعة تحاول أن تنقذ تلك الفتاة من بين أيديهم: ''ده كان أول عهد ليا بمجمع المدارس في أول يوم دراسي من سنة ونص''، هكذا أوضحت نبيلة لـ ''مصراوي'' مستطردة: أن هذا المنظر لم يفارق خيالها طوال ليلتين منعت ابنتها فيهم من الذهاب إلى المدرسة خوفًا عليها.
في اليوم التالي ذهبت إلى عملها، حيث تعمل موظفة بمحافظة الجيزة، وطلبت أجازة بدون مرتب، وعقدت العزم على أن تحمي بنات المدرسة التجارية التي تقع وسط مدرسة الحرية الإعدادية للبنين، ومدرسة سميرة موسى الابتدائية للبنين ومدرسة الزراعة الثانوية المشتركة، ''ده مجمع التحرش بشارع الهرم من 7 الصبح لقبل العصر''.
تقوم السيدة الأربعينية بوظائفها المنزلية، من إعداد الطعام وتنظيف المنزل، ومراجعة الدروس مع وليدها الصغير ''عبد الرحمن''، ليلا، حتى تتمكن في الصباح من الذهاب مع ابنتها إلى المدرسة، التي لم تتغيب عنها يوم واحد. وقبل أن يرن الجرس ليعلن عن بداية يوم دراسي جديد، تقف نبيلة تستقبل الفتيات، توجه لهم النصائح والدعابات، برفقة مديرة المدرسة والمدرسين الذين اعتادوا أن تصل قبلهم جميعًا.
ومع بداية الحصة الأولى تغلق الباب تجلس على كريسها الخشبي، تمنع أولياء الأمور من الدخول إلى المدرسة وتنتظر واقعة تحرش جديدة، لتتصدى لها، فرغم وجود عدد من حراس للمدرسة لا يخل يوم واحد بدون واقعة تحرش بالفتيات، وتقول إن عدد من الصبية يقف أمام باب المدرسة يتلصصون على الفتيات ويعبثون بأجسادهن،
أسبوع بدون تحرش.. ذات يوم ضربت ''أم هبه'' أحد المتحرشين حتى سالت دمائه، واتصلت بالشرطة وسلمته لهم ليكون رادع لكل من تسول له نفسه أن يفعل ذلك، فانتشرت تلك القصة على المسامع، وذاع صيت ''أم هبة'' وهابها الأولاد وعاشت فتيات المدرسة أسبوع بدون تحرش، في حماية عربة الشرطة التي لم ترابط أمام المدرسة سوى أسبوع واحد إلى أن يتناسوا ما حدث وعاد الوضع كما هو عليه.
طوال ساعات النهار في حراك دائم مع الصبية، ليأتي موعد الانصراف لتحد وتيرة المضايقات، ففي تمام الثانية عشر ونصف موعد خروج المجمع بأكمله، تطلب من ابنتها أن تمكث داخل المدرسة حتى تقوم بمهامها، فتعبر الطريق مع إحدى الفتيات، وتقوم بتوصيل أخرى لأقرب وسيلة مواصلات، وتعود إلى المدرسة لتأخذ دفعة أخرى من الفتيات اللائي ستنجدن بها وتلف عصاها حولهن وتوصلهن إلى شارع ''الطالبية'' الذي يبعد خطوات من المدرسة، ليكن في مأمن بعيدًا عن تلك بقعة التحرش.