كتبت-إشراق أحمد:
البساطة حالها، الخضار سمّتها وإن خانته الكتل الخرسانية بوجودها، حياة القرى عرف أهلها، بأيديهم عملوا، ضربوا الأرض، أداروا المشاغل، وحملوا الهدايا للسياح، أهملتهم القرارات الرسمية والنظرة المعنية لأناس مكثوا رقعة أرضها لسنوات، تعايشوا مع الواقع فأصبح الصمت بالنسبة لهم ''راحة بال'' يحسدها عليهم جيران المناطق المجاورة، لكن بين ليلة وضحاها تغيرت المنطقة ذات الصيت الهادئ غير المعروف إلى صاحبة شهرة يضر البعض أحيانًا، ويوصمهم لدرجة تقودهم للدفاع ''أحنا مش كده'' في أحيان أخرى.
''كرداسة'' و''عرب شركس''؛ الأولى قرية اقترن اسمها بأحداث دموية، إحدى عشر من ضباط وأفراد القسم لقوا مصرعهم داخل القسم الواقع ببداية القرية 14 أغسطس، ''مذبحة كرداسة'' أضحت معروفة، كارثة ارتبطت بها المنطقة زادت مع تحرك قوات الأمن لتنفيذ عملية ''التطهير'' كما أطلق عليها، والثانية جاءت خطوة التدخل الأمني للقضاء على ''بؤر إرهابية'' بالعزبة بشكل سريع ومفاجئ لأهالي المنطقة التي طالما اتسمت بالهدوء النسبي.
19 سبتمبر 2013 تحركت قوات الأمن لتنفيذ عملية ''تطهير كرداسة''، رصاص تختبئ منه
رؤوس الأشهاد، مدارس أغلقت أبوابها، مدرعات جيش وسيارات أمن تنتشر بالمنطقة خلاف عهدها، يجري الاسم على كثير من الألسنة خاصة بعد أن لقى أحد قيادات العملية الأمنية ''اللواء نبيل فرج'' مصرعه، باتت المنطقة معروفة بـهذه الأحداث، ''كارثة'' لحقت بها لازال الحديث عن محاكمة 188متهمًا فيها جاريًا، غير أن تلك القرية ما كان لمشاكلها حيز من الأقاويل المتداولة ولا جانب من شهرتها التي منحتها لها تلك الوقائع.
في طريق المريوطية بمحافظة الجيزة، تقع ''كرداسة''، مساحات خضراء يتخللها بيوت، كان لها شهرة بصناعات النسيج اليدوية، شارع السياحة أحد أشهر طرقها، ''السياح كانت بتيجي عندنا'' كما قال ''أحمد عبد المرضي'' أحد سكان القرية، فمنذ ثلاثة أعوام ترك ''عبد المرضي'' عمله به واتجه إلى بيع الملابس، ركود يملأ محلات الشارع الشهير، فالسياحة كانت مصدر رزق رئيس لـ''كرداسة''، لم يلتفت أحد بعد توقفها حسبما أكد الشاب العشريني.
''الناس واخدة فكرة أن كلها سلاح وأن أهلها ارهابيين من ساعة ما المركز اضرب'' صورة لم تفارق أي شخص يقابله ''عبد المرضي'' ليتولى تصحيحها بأن ''الناس على قدها وحالهم واقف من زمن''.
التعليم ''على قده'' فأغلب أهل المنطقة ''أرزقية'' منهم من لازال يعمل بأرض وقليل هم الموظفين وأصحاب التعليم العالي، المشاكل التي تواجه المنطقة إن كانت لها أهميتها في السابق فالآن إخفاء هوية السكن شيء أكثر أهمية من غيره ''الناس خايفة تخرج بره بتخبي البطاقة عشان ما يتعرفش أنها من هنا''، لدرجة جعلت الشاب يحمد الله على أن هويته الشخصية مسجلة بمنطقة ''بولاق'' وليس ''كرداسة''، فالموقف الذي حدث مع ابن خالته ''مصطفى جمال'' أكد له الأمر ''كان رايح العتبة في المترو وقفه ضابط شرطة شاف بطاقته لقى مكتوب فيها كرداسة اتحجز يوم لغاية ما كشفوا عليها ولقوا أنه مش عليه حاجة''، وبات لسان حال الشاب الذي أصبح ككثير من أهل المنطقة يعملون في ''التكاتك'' أينما ذهب ''أحنا مش إرهابيين أحنا عايزين حالنا يمشي''.
''6 إرهابيين تم القبض عليهم في عرب شركس ومقتل 6 أخرين'' جاءت الأنباء قبل أيام، مفاجئة لأهل ''عرب شركس'' ذاتهم كما أكد ''عبد النبي ربيع'' أحد سكان العزبة الواقعة قرب الطريق الدائري عند نزلة باسوس بالقرب من مسطرد.
يوم لم يستطع أهل القرية الصغيرة التحرك خارجها من تبادل إطلاق النيران بين قوات الأمن والمسلحين، ما كان يدرك ''ربيع'' صاحب الأعوام الخامسة والأربعين ما يحدث، حال العزبة التي لا يستغرق تجولها عشر دقائق انقلب، وأصبح على الرجل توضيح الأمور''من يومين كنت بجيب حاجة في القناطر الناس كانت بتتكلم وتقول عن الارهاب'' فتدخل ''ربيع'' بشرح الأمر بأن حال أهل العزبة لا يختلف عن غيرهم بل كانوا جيران القرى الأخرى ''بيحسدونا على إحنا فيه'' نظرًا للهدوء الذي تتمتع به القرية لأن الجميع يعرف بعضه.
55 عامًا عمر ''طارق أبو عميرة''، لم ينقطع بها عن القرية إلا للدراسة الجامعية، فالقرية لا يوجد بها سوى مدرستين إحداهما للمرحلة الابتدائية وأخرى للإعدادية واثنتين أخريتين إحداهما للمرحلة الثانوية لكن ''خاصة''، فنسبة التعليم متوسطة في ''شركس''، والحالة الاقتصادية ''تعبانة جداً'' حسبما قال ''أبو عميرة'' ومبدأ أهل العزبة ''مش هيبقى بيتي محتاج واعلم ابني''، فحتى المدارس تم بناءها بالجهود الذاتية للأهالي لدرجة أن راتب السعاة يتولاه المقتدرين من سكان العزبة.
أغلب سكان ''شركس'' البالغ عددهم 5 آلاف نسمة تقريبًا كانوا يعملون بالزراعة تحول منهم للعمل بالخردة وغيرها من المهن المصنف عامليها بأنهم ''أرزقية''.
الصرف الصحي والمياه أكثر ما تشكوا منه المنطقة ''محطة الصرف الصحي المبنية على 36 فدان كانت للأهالي من سنة 86 تم تسليمها للمصلحة لكن لغاية دلوقتي مافيش صرف صحي في القرية''، خلاف المصرف الذي يعد مشكلة تؤرق الأهالي ''موجود في وسط القرية مليء بالقمامة لدرجة الناموس منتشر بشكل كبير حتى بالنهار''، وتم الوعد بردمه قبل الثورة وتم تحديد ميزانية لكن لم يحدث سوى ردم 25 متر فقط.
لم يتمكن أهالي القرية من تعليم أبناءه كحال ''أبو عميرة'' الذي يعمل محامي وابن عمدة سابق للقرية، وكذلك علاجهم فالوحدة الصحية فقط لـ''حبوب منع الحمل'' حسبما قال الرجل الخمسيني، بينما أقرب مستشفى تقع في القناطر على بعد 9 كيلو متر، ولا يتوقف الأمر على تجاهل القرية وسقوطها من الحسابات بل رفض الجهود الذاتية ''طالبنا قبل كده نخلي مكان المخزن اللي سبب المشكلة وحدة لعربية اسعاف لكن محدش سأل''.
''كان أي واحد غريب بيدخل يبقى معروف''، فالقرية الصغيرة معروف عائلاتها، مايقرب من 15 أسرة لا يخرج عنهم أحد، لكن الظروف الاقتصادية دفعت لدخول الغرباء حسبما قال ''أبو عميرة'' الذين كانوا سبب فيما وُصمت به القرية.