صنعاء- ( هنا صوتك):
قد يكون البقاء في عش الزوجية، رغم الخلافات، مدمراً وظالماً لأنه يقتل كل جميل في داخل المرأة ويسلبها القدرة على تحقيق ذاتها كإنسانة. وقد يتردد البعض مرات ومرات قبل الإقدام على خطوة الطلاق تخوفا من تبعاتها، ولكن مع ذلك يختار بعض النساء عدم الاستسلام بعد تجارب زواجٍ فاشلة.
البداية
''كنت أعتقد أن طلاقي من زوجي سيكون نهاية الحياة''، هذا ما تقوله دعاء، صاحبة معمل خياطة، وتضيف: ''اكتشفت أن الطلاق كان بداية حياة جديدة حافلة بالاعتماد على الذات والإحساس بالمسئولية''، وتتحدث بفخر: ''بعد عشرين عاماً على الطلاق، أجد نفسي حققتُ كل ما خططتُ له، فأحد أبنائي طبيب، والآخر مهندس، والثالث يدرس خارج اليمن. لم يساهم معي أحد في تربيتهم أو دفع تكاليف دراستهم. أشعر بمدى فخر أبنائي بي وبأنفسهم''.
اكتشاف
بدور، عمرها الآن يتجاوز 40 عاماً، انفصلت عن زوجها في سن 22. عندما عادت بذاكرتها إلى الوراء، قالت: ''عشتُ تجربة زواجٍ دامتْ ثلاث سنوات، وأثمرتْ بنتاً، وخلال حياتي كنتُ امرأة اعتمادية''، وتتابع: ''كانتْ صدمتي قوية بعد الطلاق، وخصوصاً أنني وجدتُ نفسي مسئولة عن ابنتي التي تركها والدها لي، ولم أجد أبي إلى جانبي إذ توفي قبل طلاقي بأكثر من عام؛ لكني لم أتوقف كثيراً، وقررتُ أن أتحمل المسئولية بشجاعة، فحصلتُ على وظيفة، وواصلتُ دراسة الماجستير، وتمكنتُ من تعليم ابنتي التي باتتْ على أعتاب التخرج في قسم الأدب الإنجليزي، واليوم أحظى بمكانة اجتماعية ومادية جيدة، وأستطيع القول إنّ الطلاق جعلني أُعيد اكتشاف ذاتي''.
مخاض
هناء، طبيبة، لم يدم زواجها أكثر من عامين، وكانت حصيلته طفلا مازال يعيش معها، وتتمسك بشدة به، إذ تراه كل حياتها، تحدثتْ إلينا بثقة وتفاؤل: ''بعد انفصالي عن زوجي وجدتُ نفسي أمام هواجس وأفكار سلبية كانت تراودني على مدار الساعة؛ ليس أولها نظرة المجتمع، وليس آخرها هذا الطفل ومستقبله؛ لكني قررتُ بعد مخاضٍ عسير أن أستجمع قوتي وأستمر في الدراسة والعمل؛ فإذا لم يكن من أجلي، فمن أجل هذا الطفل الذي لا ذنب له''، وتضيف: ''الحمد لله أنا اليوم طبيبة ناجحة؛ حيث أكملت دراستي في المجال الطبي وحصلت على البورد العربي، وأشعر بثقة عالية في نفسي مما جعل كل من حولي يثق بي ويعتبر نجاحي إلهاماً له''.
ظلم مزدوج
''المجتمع اليمني لا يرحم المطلقات، فمن الصعب أن تتمكن المرأة المطلقة من الاحتفاظ بأولادها، وأحياناً تُحرم حتى من رؤيتهم''، هذا ما تقوله منال، امرأة مطلقة، تحدثتْ إلينا: ''عند طلاقي لم يكن عُمر ابنتي الصغيرة يتجاوز سنتين، إلا أنهم أخذوها مني، ولم أرها منذ ذلك الوقت''. وتؤكد أن هذا السلوك من قبل زوجها السابق دمر حياتها: ''تحولتْ حياتي إلى كومة من الأحزان والآلام؛ فأنا محرومة من كل شيء حتى من رؤية أولادي، كما أنني لم أتمكن من الزواج مرة أخرى، ولا أستطيع العمل بسبب الضغوط الأسرية التي تنظر إلى خروج المرأة المطلقة من البيت كعيب وخطيئة''.
ذكورية المجتمع
''يصف المجتمع اليمني المرأة القوية والمتعلمة والناجحة بأنها مسترجلة وشاذة عن المألوف''، هكذا ترى زينب، مطلقة وتعمل مسئولة في إحدى الجمعيات النسائية، وتؤكد: ''كانتْ هذه النظرة الذكورية هي ما دمر حياتي الزوجية وتسبب في طلاقي، فلم يتحمل زوجي رؤيتي وأنا أنافسه على النجاح، وأسعى للاستقلال المادي''.
الموت أو التمرد
ترى الدكتورة سعاد السبع، أستاذة فلسفة التربية بجامعة صنعاء، أن ''النساء المطلقات في اليمن يعشن تحديات صعبة ويمتلكن فرصاً محددة، فالطلاق في المجتمع اليمني تتحمل سبته المرأة وحدها''.
وتشير السبع، من جهة أخرى، إلى أن ''طلاق المرأة قد يحررها من التبعية ويجعلها قادرة على تحديد مسار حياتها''.
غير أنّ عضو اتحاد نساء اليمن الدكتورة سعاد، تعود وتستدرك: ''هذا يتم فقط إذا كانت أسرة المطلقة متفهمة لوضعها الجديد، أما إذا كانت الأسرة متخلفة، فالمطلقة تعود إلى سجن مظلم لا يخرجها منه إلا زواج جديد أو الموت''.
* رفضت السيدات اليمنيات السماح بعرض أسمائهن الحقيقية أثناء سرد تجاربهن هنا.