كتبت – دعاء الفولي:
وقفت الفتاة العشرينية داخل عربة مترو الأنفاق، المتكدسة بالأجساد، وقلوب أنهكها تعب الحياة، لا تظهر على وجوههم تعابير، إلا ابتسامات مريرة بين الحين والآخر، تبدأ الفتاة في عمل تعبير مضحك بوجهها، تتجه لأحدهم لتقول ''صباح الخير، تعرفي تعملي الحركة دي؟''، تنطلق ضحكة السيدة الجالسة على المقعد، وقبل أن تفقد روح سعادتها، تبادرها الفتاة ب''لبانة''، لا تعترف بمنطق أن السعادة يجب أن يُخصص لها يوم واحد، تنشر فرحة تصلح لجميع الأيام، دون تعلق بتاريخ معين.
تنطلق ''منار عبد الفتاح'' يوميًا، لمقر عملها بالمهندسين، تتخذ المترو والميكروباص لها وسيلة، لا تضيع الوقت في القراءة فقط، بل في نشر البسمة على وجوه الناس، أدواتها بسيطة، علكة، أوراق كُتب عليها عبارات سعيدة، و''صباح الخير''، ثم ابتسامة، منذ سنتين قررت أن مترو الأنفاق سيكون مكانها الأول لتوزيع ''اللبان'' على الركاب بنفس راضية عن تعليقاتهم التي تتهمها بالجنون أحيانًا أو تتعجب من الفعل ''لما حد بيسألني ليه بقولهم أنا نازلة أفرحكوا وأخرجكوا من حالة الضيق''.
الفتاة التي تخرجت لتوها في كلية التجارة، جامعة عين شمس، لا ترى غضاضة في إضحاك الناس بأي شكل، طالما ستتركهم سعداء ''لما أعمل حركة مضحكة بوشي لواحدة وألاقيها مكسوفة أفضل أقولها شكلك بتعرفي تعمليها، لحد ما تضحك وتبدأ تتجاوب''، مع الوقت كونت صداقات من المترو بسبب ما تفعله ''بلاقي ناس بتسلم عليا بيفتكروا إني إدتلهم لبان في يوم''، الامتنان يملأ كلماتهم لها، بعضهم يحاول رفع الضيق عنها عندما تفرض تكون في نفس الموقف ''مرة كنت في المترو وجالي تليفون اتضايقت، لقيت طنط ورايا كنت ادتلها حاجة بطبطب عليا''، عبرت لها السيدة المجهولة عن سعادتها لدى رؤية ابتسامتها ''وقالتلي إنها بتحبني رغم إنها متعرفنيش''.
في الميكروباصات يصبح التواصل مع الناس أصعب، ابتكرت الفتاة طريقة جديد، فبيدها تطرق على كتف من أمامها، تعطيه العلكة، تصحبها ابتسامة وكلمة طيبة ''وبعدين بقوله إدي اللبانة للي قاعد قدامك وقوله صباح الخير بابتسامة''، تنتشر الروح داخل الوسيلة، يتحول صمت الهموم، إلى براح ''روح الناس بتتغير تمامًا بعدها''، لم تكن ''عبد الفتاح'' مصدر الهدايا دائمًا، يكافئها الناس نادرًا دون مقدمات، كالبائع الذي تشتري منه علبة اللبان اليومية، عندما علم بما تفعله ''بقى بيديني العلبة بسعر الجملة''، ومع تكون صداقة بينهما جاءت الهدية ''كنت بشتري منه مرة فإداني ورقة وقالي متفتحيهاش إلا لما تمشي''، وبعد أن تحركت فتحت الورقة الصغيرة لتجد المكتوب آية من الإنجيل، تمدح فاعلي الخير ''مصدقتش نفسي من الفرحة إن عمو صاحب الكشك أعطهالي''، لا تنتظر الفتاة شيئًا من الناس، حتى الذين تكون ردود أفعالهم جافة ''بحاول أتفهم إنهم متضايقين جدًا وبدأت أتعود''.
رغم أن اليوم 20 مارس، هو يوم السعادة العالمي، فهو ليس مختلفًا بالنسبة لها، ترفض اختزال السعادة، وتواصل الناس ببعضهم في يوم واحد ''وببقى مبسوطة جدًا لما أبسط الناس'' لكنها رغم ذلك ''رايحة حفلة انهاردة، هشتري بلالين وأوزعها على الناس هناك''.