كتبت - نوريهان سيف الدين:
18 يوما أطاحت بنظام حكم، بيان تخلي الرئيس عن منصبه وتكليفه للمجلس العسكري بتولي شئون البلاد، فرحة عارمة تجتاح شوارع وميادين مصر، تحية ''اللواء الفنجري'' لشهداء الثورة، ثم الإعلان عن ''تعطيل الدستور'' والشروع في إعداد ''وثيقة'' لحين الاستفتاء على دستور جديد، وهنا تبدأ ''رحلة البشري''.
على موقعه الخاص كتب اسمه كاملا ''طارق عبدالفتاح سليم البشري''، واصفا نفسه بـ''بالمفكر والمؤرخ والفيلسوف المصري''، رغم تنوع وظائف الفقيه القانوني والدستوري؛ إلا أن المحطة الأبرز في حياته كانت ترأسه للجنة المهنية بتعديل دستور مصر الدائم (1971)، بعد ايقاف العمل به بعد ثورة 25 يناير.
لم يجد ''النائب الأول لرئيس مجلس الدولة المصري'' مشكلة في صياغة استمرت في فترة دامت شهرا كاملا بدأت من 15 فبراير 2011، صاحبها حشدا إعلاميا وجماهيريا، وفتح الطريق لسجال متساو بين ''نعم و لا''، انتهت بما عرف إعلاميا بـ''غزوة الصناديق''، وخروج نتائج تفيد تصويت 77.7% لـ''نعم للتعديلات الدستورية''.
رحلة المستشار ''البشري'' لم تقف في محطة ''غزوة الصناديق''، فالفقيه القانوني الجامع بين الفكر الفلسفي للقوانين الحديثة، والنظرة الإسلامية أيضا، وهي التي بدأها بوضع مقالات ''رحلة التجديد في التشريع الإسلامي''، بعد مشاهدات لتحول مصر عبر سنوات القرن الأخير من التشريعات الوضعية والسياسات الاشتراكية وغيرها، كل هذا المزيج الفكري والفلسفي كان زاد ''البشري'' ليراقب ''الشعب والمجلس العسكري'' بعد التصويت على تعديلات دستورية، كان هو ''رئيس لجنتها''.
أكثر من عام ونصف العام، شد وجذب بين الموجة الثورية ورؤية المجلس العسكري، تحليلات تخرج من كل جانب وضعت ''طارق البشري'' في موضع اتهام جنبا إلى جنب وتيارات اليمين السياسي، فنتيجة ''نعم للتعديلات الدستورية'' كانت الصخرة الأولى أمام الموجة الثورية الداعية للتغيير ونسف دعائم النظام القديم متمثلة في ''الدستور''، مالبثت أن اتضحت الصورة جزئيا بالإعلان عن موعد الانتخابات الرئاسية 2012.
''مادة 28''.. المادة الأكثر جدلا في التعديلات الدستورية، وهي ما زادت من الاستهجان حول رؤية ''البشري'' في التعديلات الدستورية، فالمادة تقضي بـ''تحصين قرارات اللجنة المشرفة على الانتخابات الرئاسية''، وهي ما أوقفت الضغط بعد ظهور النتائج معلنة فوز ''محمد مرسي- مرشح الإخوان المسلمين'' بمنصب رئيس الجمهورية، وما تلاها من حراك معارض لحكم الإخوان المسلمين، لكن لـ''البشري'' رأي آخر، تمثل في ''مهاجمة مرسي'' بعد خروج ''دستور 2012'' ومن قبله ''الإعلان الدستوري'' الذي أصدره ''مرسي'' أيضا.
يرحل ''مرسي'' وتتصاعد نغمات ''3 يوليو 2013''، وتملأ العربات العسكرية شوارع العاصمة والمدن الكبرى، ومن جديد ينقسم الرأي بعد أن كان (نعم و لا)، ليصير السؤال (ثورة أم انقلاب)، وبغض النظر عن رؤية الأغلبية فإن ''البشري'' لم يتوقف عن تصريحاته المغردة خارج السرب، ليقول بأن ما حدث في الثالث من يوليو هو ''انقلاب عسكري على رئيس شرعي''، ليضع علامة استفهام كبيرة أمام آراءه المتناقضة مع كل فترة حكم للعاصمة متباينة الآراء والأهواء.