كتبت- إشراق أحمد:
الزحام خانق، أبواق سيارات مزعجة، ضفتي الطريق تعبر عن تناقض جم، فالجهة اليمنى خاوية تماما من أي مواصلات، أما الجهة المقابلة فتعج بالسيارات التي يتناحر ركابها، ''يا اسطى ما الطريق فاضي أدامك.. لازم تخش عكس يعني''، يقولها شاب عشريني ممسكا بجريدة الصباح، فيما يأتيه الرد من سائق الميكروباص ''بلاش تعلي صوتك يا بيه.. القسم هو اللي قافل الطريق''، قبل أن يمرق بجوار ضابط شرطة يلقي عليه السلام وسط استغراب الركاب بحي المطرية.
''يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن ألف جنية ولا تزيد على ثلاثة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من تعمد السير عكس الاتجاه في الطريق العام داخل المدن أو خارجها''، تنص على ذلك المادة ''76'' مكرر من قانون المرور رقم 66 لسنة 73 المعدل بالقانون رقم 155 لسنة 99 وأكدت عليها اللائحة التنفيذية للقانون وفقًا لقرار وزير الداخلية رقم 2777 لسنة 2000.
في أعقاب ثورة 25 يناير شهدت البلاد انفلاتا مروريًا موازيًا للأمني نظرًا لغياب رجال المرور، مما أتاح فرصة مخالفة السير عكس الاتجاه وغيرها من المخالفات، غير أنه بعد حادث تفجير مديرية أمن القاهرة وتشديد الإجراءات الأمنية على الأقسام أصبح بـ''الإذن''، فغلق جانب الطريق المؤدي إلى القسم يجعله ''حارة'' واحدة فقط تتحرك بها السيارات ''رايح –جاي'' وليس كما كان.
السيارات المتوجهة إلى منطقة ''السيدة زينب'' منذ 24 يناير الماضي حيث حادث ''التفجير'' أصبح طريقها العكسي ''إجباري''؛ ففي موقف ''المطبعة'' بمنطقة المعادي ينتظر كل منهم دوره في ''الطلعة'' بعد تحميل زميل ''الموقف'' للركاب منطلقًا إلى وجهته صوب طريق مستشفى ''أحمد ماهر''، بالجهة المقابلة لمجمع شرطة ''دار السلام''، تتراص عربات ''الميكروباص''، تختلط أصوات نداء السائقين ''هرم ...السيدة...'' وغيرها مع صدى خاف لصوت يخرج من مذياع سيارة بالقرآن الكريم أو الأغاني.
بجانب الموقف بدا فجوة لقلة تواجد العربات بها، فمكان تجمع سيارات ''السيدة زينب'' على عكس حال الموقف، يتأخر عودة ''الميكروباص'' للقيام ''بطلعة'' أخرى ليبقى مكانه شاغرًا للركاب المنتظرين.
''الطريق سيء، زحمة بعد ما كان بياخد نص ساعة بقى ممكن ياخد ساعتين'' انطلقت كلمات ''عدوي حمزة'' الشاب ''الأسيوطي'' الذي يجد في الطريق مشقة أكثر مما كان عليه بعد أن أصبح ''حارة واحدة''، فكلما زادت مدة ''الدور'' الواحد قل عدد ''الطلعات'' ومن ثم ربح اليوم، لم يتعرض الشاب العشريني منذ بدأ عمله على ''الميكروباص'' قبل 11 عامًا لمخالفة السير عكس الإتجاه، فهو لم يفعل حسبما أكد لكه اليوم يضطر قطع 23 كيلو عكس الاتجاه -مسافة الذهاب والإياب بطريق ''المطبعة –السيدة''- لأن ''الطريق واحد بس هم اللي مخليينا نمشي عكسي''.
''رفعت العجوز'' ضاق به الطريق فبدت عليه علامات الملل من الحديث، ففتح باب الحديث جعله يندفع نحو سياراته ثم يعود ''قافلة القسم دي ليه لما هم مش قادرين يحموا القسم إحنا اللي هنحميه.. من ساعة ضربة المديرية وهم قافلين الطريق''.
''العجوز'' يعمل على ''الميكروباص ''قبل 20 عامًا ''من أيام ما كان مشوار السيدة بربع جنيه'' هو الآخر يؤكد عدم مخالفته للمرور بالسير في اتجاه عكسي ''عشان مايجيش واحد من دور عيالي يقول لي عيب يا حاج ما تمشيش غلط.. لكن دلوقتي العكسي مريحهم يبقى خلاص نمشي عكسي''.
السير عكس الاتجاه ليس ''غية'' السائقين حسبما أكدوا لكنه اضطرارًا ''لو الدنيا واقفة هيمشي عكسي مفيش حد ما بيمشيش عكسي دلوقتي واللي يقول غير كده يبقى كداب'' حسبما قال ''أمجد عزت''، الذي لا يجد في السير عكس الاتجاه ''إذن'' لأن ''مفيش حد بيدي إذن بالغلط'' لكن ''القسم عشان يحمي نفسه قافل شارع بورسعيد اللي قدامه''، فلا يوجد سبيل آخر لدى ''عزت'' وأقرانه للوصول إلى وجهتهم والعودة منها سوى ذلك.
سير الشاب الثلاثيني تلك الأيام بموافقة ''الأمن'' عكس الاتجاه يذكره بذلك اليوم عام 2005 حينما كان يعمل في مجال السياحة وأثناء سيره بمنطقة الرحاب عكس الاتجاه استوقفه الضابط محررًا له محضر بغرامة 1500 جنية ووقف ثلاثة أشهر عن العمل، بينما اليوم تجيش نفسه بكلمات ''إحنا شايفين بعنينا الحكومة بتقول لنا نمشي عكسي''.
خلو الطريق من رجال المرور يصعب مهمة الطريق وإن كان سائقي ''الميكروباص'' لا يهتموا بذلك كثيرًا فمنذ ثلاثة أعوام ''كل فين وفين لما حد يقول فين الرخصة ده في ناس شغالة من غير بطاقة، مبقتش فارقة'' أما هذه الأيام ''مكبرين دماغهم وشغالين على التكاتك والمكن'' على حد قول ''عزت''.
الساعة الواحدة ظهرًا يزداد الطريق ''خنقة''، لا تهدأ إلا مع العاشرة مساءً عندما ''تخف حركة الناس عشان إحنا في الشتا'' حسب ''عزت''، لايتوقف الأمر على زحام السيارات لانطلاقها في حارة واحدة، فالطريق واسع وفقًا للسائقين لكن ''ركنة'' بعض السيارات إلى جانب المحال التي تفترش بضاعتها بالخارج، كل ذلك يضيق من سعة الطريق وبالتالي مضاعفة الزحام الذي لا يجد الراكبون فيه سوى تنفيس ضيقهم بالسائق ''يا عم ما تغير خط اتجاهك''، فطالما كان ''الطريق ماشي'' يظل الراكب في صمته و''مش بعيد يصقفلك''، حسبما قال السائق الثلاثيني.
أمام ''مجمع شرطة دار السلام'' يتم أحيانًا إغلاق أحد جانبي الطريق فيسير السائقين المنطلقين عكس الاتجاه، ومنهم بطبيعة الحال سائقي خط ''السيدة زينب'' الذين كانوا ينطلقون من السير المخالف ذهابًا وإيابًا لغلق طريق قسمي الشرطة المارين عليهما، فضلًا عن سائقي خط الهرم وغيرهم كحال ''مصطفى وجيه''، فغلق الطريق ''العمومي'' بالنسبة له أسوأ من زحام السيارات ''بتقفل البلد.. كل اللي بيطلع حتى من الشوارع الجانبية بيقف''، ''وجيه'' يستسلم لما يجده بالطريق ''في بعض الطرق مقفولة عند الأقسام فهم بيقولوا لنا نمشي عكسي''، فالسائق ذو الملامح الهادئة يرى أن فعلة السائقين لا تختلف عن ''الحكومة'':''بيعملوا قانون وينفذوا اللي هم عايزينه.. أديني بديل''.