كتبت - يسرا سلامة:
ثلاثة أعوام كاملة مرت عليه منذ ثورة أسماها أبطالها ''ثورة الغضب''، كانت له ثورة الحريق، قسم ''بولاق الدكرور'' بالجيزة، طالته في بدايات احتجاجات ثورة يناير نيرانها، ليشتعل غضبًا، لم تتركه دون حالة فوضى وزحام أمامه وقت اشتعاله، ليخمد الحريق وتمر سنوات، وتظل الفوضى سيدة المشهد.
القسم الذي تم تجديده عقب الحريق مباشرةً كان له تكلفة أخرى، بجانب تكلفة الدهانات والتجديدات، مساحة واسعة أمام القسم تحيطها مجموعة من الكردونات الأمنية ودبابات الجيش، الممهورة بكلمة ''مرور الجيزة''، من خلفها تكتظ مجموعة من الميكروباصات البيضاء، ينادي أصحابها على زبائن الطريق، ويصارع من بينهم أصحاب ''التكاتك الصغيرة''، بحثاً عن زبون آخر.
وسط الزحام كان ''أحمد سليمان الخمسيني، بداخل عربته المتهالكة في انتظار دوره، في طابور من السيارات التي تقل الركاب لمنطقة صفط اللبن، أمسك ''سليمان'' بكوب من الشاي الساخن، في انتظار مرور الوقت. على الرغم من عدم مشاهدة ''سليمان'' لما حدث في القسم من تفجيرات وقنابل، لكنه شعر بتأثير الحدث، فغلق الطريق بالكردونات يضطره لأن يقطع مسافة أطول من طريق لآخر، متحملاً الزحام الرابض على الطريق رفيقاً له في الرحلة ''من ساعة التفجيرات وقفل الطريق والعطلة زادت''.
أدوار أقل لـلسائق الخمسيني، تعني إيراد أقل في اليوم، يقدر الرجل الذي يعمل سائق منذ عشرين عاماً أنه يوميًا قبل غلق الطرق كان يربح ما يوازي 150 جنيه، تقلص الإيراد بعد ما شهدته المنطقة من أحداث إلى حوالي 70 جنيه، يتمنى عودة الأمور إلى ما كانت عليه ''نفسنا الطريق يتفتح، وإحنا هنا حاميين القسم''، مُضيفًا أن كل بائع بالمنطقة تأثر من إحكام الامن على الطريق.
الأمن أهم من ''أكل العيش''
ملاصقًا للقسم، جلس ''حازم محمد'' السوهاجي صاحب كشك لبيع السجائر والحلوى وخلافه، طاله من غلق المكان ما طال الجميع، ليقول بلسان يغلبه التسليم للأمر الواقع ''هنعمل إيه أمرنا لله''، كانت الزبائن تمر من أمام ''محمد'' بحركة وعدد أكبر، حتى أصبح الزبون يمر من أمامه مضطرًا.
التطويق الأمني انقلب على رزقه، وصل فيها الإيراد إلى النصف تقريباً بحسب تقديره لكنه لا يرى أزمة في ذلك طالما ''القسم بيأمن نفسه''، لم يمنع ذلك الرجل الذي يعمل في المكان منذ خمسة وعشرين عاماً من تمني عودة الحركة أمام القسم إلى ما كانت عليه ''الاستقرار حلو ونفسي الزبائن تزيد بس لازم نتحمل عشان مصلحة
''المنطقة تحولت لثكنة عسكرية''، قالها ''خالد'' بائع للكبدة بجانب جدار قسم بولاق الدكرور، تأثر بغلق السجل المدني المجاور للقسم ''أكثر من مرة الأهالي ييجوا يطلعوا شهادة ميلاد أو أوراق، وييجوا يأكلوا من عندي، لكن دلوقتي الرجل خفيفة بعد ما السجل اتنقل''.
الإقبال القليل على مأكولات ''خالد'' أثرت على إيرادات الأب الذي يعول ثلاثة أطفال ''أنا عندي عيالي بياخدوا كل واحد حوالي 100 جنيه شهرياً عشان الدروس، ده غير مصاريفهم، وأنا مش ببيع زي الأول، تقريبا قل للنص، هنعمل ايه يعني؟''.
الضرر لن يمنع احتمال التفجيرات
''كمال شلبي'' السائق في المنطقة على خط صفط اللبن – بولاق الدكرور، يشكو من الزحام المسيطر على المشهد ''أنا بقف 3 ساعات في دور وسط الزحمة عشان 6 جنيه''، بلهجة غاضبة يصف حالته بعد غلق الطريق، والذي يضطره إلي تحمل أعباء الازدحام المضاعفة وقت الدراسة ''إحنا كل اللي نفسنا فيه إننا نعيش كويس، والطريق يتفتح''، متسائلًا ''يعني لو حد عايز يفجر قنبلة دلوقتي.. قفل الطريق هيمنعه؟''.
يجلس ''ثابت عبد العزيز'' بجوار نقطة الشرطة، يعمل في صناعة الأختام لمن لا يعرف القراءة والكتابة، لاستخدامها في طباعة الأوراق الرسمية، عدد الأختام لديه لا يزال كما هو منذ فترة، بسبب قلة الإقبال ''من ساعة ما السجل المدني اتقفل، والأمن زاد حول القسم والإقبال على الأختام أقل من الأول بكتير''.
تراجع الطلب على أختام ''ثابت'' لم تدفعه لمغادرة المكان، في انتظار عودة الحياة كما كانت حول القسم، والسجل المدني ''أنا بفضل قاعد طول النهار لو حد عايز أختام، لإني اتعودت اقعد هنا طول عمري''.
''أحمد علي'' صاحب عربة فول أسفل كوبري ''ثروت''، لم يؤثر غلق الطريق على رزقه كثيراً ''الموضوع كله رزق من ربنا.. هيجلنا بقفل الطريق أو بفتحه''.
دواعٍ أمنية هي السبب
''لدواعٍ أمنية'' كان أول ما قاله الملازم ''مجدي رجب'' رداً علي غلق الطريق حول القسم، ويوضح الرجل الذي اتخذ من القسم مكاناً يجلس بداخله لمباشرة عمله مع المواطنين ''الناس لازم تستحمل عشان البلد، إحنا في ضيقة وزنقة، والناس لازم تستحمل.''
ويشير''رجب'' أنه على الرغم من غلق الطريق والتطويق الأمني أمام القسم، إلا أن ذلك لن يمنع احتمال وجود أي تفجيرات، لكن بحسب قوله ''ستكون الخسائر أقل'' بسبب المساحة الشاسعة أمام القسم.
قسم ''بولاق الدكرور ..''حصار ''أكل العيش'' لدواعٍ أمنية
منوعات -
قسم ِشرطة بولاق الدكرور