كتبت- إشراق أحمد:
يحل الثالث عشر من مارس الجاري، ليكتمل شهرًا على ذكرى حادث ''سانت كاترين''، يضرب البلاد موجة طقس متقلبة، رياح، أمطار وثلوج، درجتين مئويتين تبلغها حرارة المنطقة، أجواء متشابهة، كلٌ في مكانه، لم يتغير شيء سوى حزن بات مخيم بالنفوس، منها مَن سكنها قبل رحيل الضحايا الأربعة، ضيقًا على حال يسوء دون مجيب، وأخرى ''تعافر'' لاستعادة عقلها الذي لا زال أعلى الجبل لكن الذكرى، وثالثة الوجم أصابها على البقعة الساحرة التي تسبب قلة الوعي في العزوف عنها بدعوى الخوف، فقررت التحرك للدفع إلى إعادة بريقها.
دعوات طرحها البعض لعودة تنشيط الرحلات إلى منطقة جبال سانت كاترين، التي تأثرت شيئًا ما بعد الحادث، جميعها اتخذت من صور تم التقاطها للمنطقة وجميل طبيعتها للتحفيز على الانضمام، غير أن البعض لازال الخوف يملأه.
من أجل ذلك تعمد ''لطفي أحمد'' منسق رحلات، القيام أول رحلة إلى سانت كاترين بعد ما يقرب من أسبوع فقط على وقوع الحادث، لم يكن الأمر يسيرًا، لكن الخوف الشديد، والفهم الخاطئ الذي نشره الإعلام على حد قول ''أحمد'' دفعه للقيام بذلك، رغم التكلفة المتكبدة له لتراجع الكثير من المشاركين عن الرحلة ''الناس كانت تسجل وتكنسل (تلغي) لغاية قبل الرحلة بيوم''، وصل الأمر بالشاب العشريني إلى دعوة أصدقاءه لاكتمال الفوج الذي ما كان يتحرك بأقل من 40 فرد، ليخرج بسيارة واحدة للمرة الأولى منذ عمله في المجال قبل ثلاثة أعوام ''مكنش بيطلع أقل من أتوبيسين''، وكل أسبوع يتواصل القيام بتلك ''المغامرة'' حسب وصفه.
لم تكن صدمة منسق الرحلات في التعليقات على الدعوة للرحلة مثل ''أنا هروح أموت...أنت عايز تموتنا''، حتى بعد العودة ونشر الصور، التي تنوعت التعليقات عليها بين التحفيز للمشاركة ''عاوزين نروح'' والتوجس ''أنت طلعت إزاي ماتعلهاش تاني''، بقدر مفاجئته بالطريق، إذ لم يتواجد سواهم فوق الجبل الذي كان ''بيشيل (يحمل) 800 فرد على أقل تقدير''، استغراب الناس بسانت كاترين من تواجد فوج يزور المنطقة بعد الحادث، ما اختلفت عن أول مرة قرر تواجد بها في المنطقة ونشر صورة له فوق الجبل وسط تساقط الجليد، يومها تعجب الأصدقاء متسائلين ''أنت سافرت بره ولا إيه''، فتقدير الشاب لجمال المنطقة وأهميتها في السياحة وأن فقدانها خسارة فادحة كان معين له رغم صعوبة التسويق للرحلة هذه المرة ''تعبنا معمال نفهم الناس'' أن الأمر حادث وارد الحدوث وليس في المنطقة شأن في هذا.
يومان ومن بعدهما عودة، لكن ذلك لم يحدث، بدأت الرحلة مساء يوم الخميس الموافق 13 فبراير، بصحبة الدليل تابعت الخطوات طريقها إلى جبال ''باب الدنيا'' بوادي زعتر، يصفها ''أحمد'' –منسق الرحلات- بأنها كموجة البحر ''طالعة ونازلة'' مفتوحة الأركان لا شيء يحميها إن هبت عاصفة، وهو ما حدث مع الشباب الثمانية، الناجي منهم أربعة أشخاص بينهم كانت ''يسرا منير''.
لا زال الحزن يتملك من قلبها، على الأصدقاء خاصة ''هاجر أحمد''، انهيار أصاب الفتاة، التي ما زالت تتعافى من أثاره على حد قول صديقتها ''أسماء إبراهيم'' ومنسقة الرحلة، بدا الحزن بصوتها، ما كان الأمر صعبًا على مَن تواجدوا فيه فقط، بل الأصدقاء وإن بعدت بينهم المسافات، لم ينسوا الحادث ''لغاية دلوقتي فقدنا ناس ولسه ناس دماغها هناك''، هكذا الفتاة بين نارين رغم قناعتها إن ''الحياة بتمشي''، لذلك لا تتوقف عن دعم بعض الفرق التي تريد الذهاب إلى سانت كاترينن وإن كانت لا تستطيع بالوقت الراهن أن تقدم على هذه الخطوة مرة أخرى ''ممكن أروح تاني لكن أمتى مش عارفة''.
الفتاة التي لم تتوقف عن الرحلات إلى سانت كاترين منذ ما يقرب من عامين، أصبحت الذكريات رحلاتها مع صديقتها التي لم يكن الخوض في الحديث عن العودة مرة أخرى موضع اعتبار مراعًة للحالة النفسية لخليتها، وإن لم تتوقف عن تذكر ما حدث خاصة وأنها لم تعرف بمصرع أصدقائها غير بعد فترة.
تشجيع ''سارة'' للراغبين في السفر إلى سانت كاترين، بمثابة رد لديها لكل ما ضاقت له نفسها من تعليقات ''محفوظة'' منذ الثورة حسب وصفها بأنهم شباب متهور ''إيه اللي وداهم هناك''، بينما يأتي ذلك للتأكيد أن السفر هناك ليس شيء سيء وأنهم ''مش شباب بايعين نفسهم''، بل إنه قدر لكنه لم يغنِ عن أن الإهمال متهم رئيس في الواقعة حسب ذكر الفتاة.
''مفيش شغل'' لسان حال ''يسري نصر'' دليل بدوي بمنطقة سانت كاترين، فمنذ الحادث لم يصاحب سوى فوجين بعد أن كان يوميًا رفيق الجبل، موضحًا أن الواقعة ''أثرت علينا جامد''، حتى يومي الخميس والجمعة المعروف بهما توافد الزائرين بشكل أكبر أصبح الحال فيهما كباقي الأيام زاد من ذلك عملية التفجير التي لحقت بأتوبيس السياح مؤخرًا لكن يظل موقنا أن ''بعد ما المصريين ماتوا الشغل مات بعدهم''.
لم يستسلم البعض لتلك الفكرة، فخرجت الدعوة ''لكسر كل التصورات الخاطئة عن البلدة الوحيدة في مصر حيث تسقط الثلوج في فصل الشتاء وأغلبية سكانها من البدو''، قامت بها مجموعة ''صحاري سفاري'' بالتعاون مع عدد من أصحاب المخيمات والعاملين بالسياحة في سيناء، تحت عنوان ''الهايكنج'' –مشي الجبال- وذلك ما هو إلا تعبير لتشجيع زيارة سانت كاترين، من خلال تقديم كل المعلومات عن المدينة من وسائل الانتقال واماكن الإقامة وأفكار للاستمتاع طيلة وقت المكوث.
''إن شتت عصرية دور على مقارة ذرية'' مثل بدوي يحفظه أرباب الصحراء عن الجدود، تمثل أمام ''صالح موسى'' صاحب أحد المخيمات المتواجدة بسانت كاترين، وأحد المشاركين في الدعوة لتشجيع التوافد إلى المدينة، وذلك حينما خرج في رحلة البحث عن المصريين الغائبين بالجبال، يوم عصيب شهده الرجل، انتهى بالعثور على الجثث الثلاث، بينما عثر أخرون على ''محمد رمضان''، لازالت ملامح الشباب يتذكرها ''موسى'':''شوفت ناس ماتت كتير لكن ماشوفتش زيهم وشهم كان أبيض ورايق'' رغم حالة التجمد التي كانوا عليها.
19 عامًا مرت على عمل ''موسى'' في مجال السياحة، بدأها من العمل بالجمل ثم دليل وأخيرًا مرشد سياحي، ما شهد خلالها ضعف إقبال إلا في السنوات الثلاث الأخيرة بشكل عام، إذ أكد صاحب المخيم أن الحادث ربما أثر لكن ليس بشكل لافت خاصة وأن تلك الأيام تشهد تلقبات جوية تعيق الرحلات بشكل عام.
الدعوة المشارك بها ''موسى'' والمقرر القيام بها آخر شهر مارس، بالنسبة لها رسالة إلى جميع الراغبين في زيارة المنطقة أن ''الجبل مش حاجة خطرة'' لكن المشكلة في الإهمال المتراكم، إذ تتلخص حل الأزمة في توفير شبكة اتصال جيدة للمدينة، وفريق انقاذ تتمثل في طائرة صغيرة، فالرجل أبصر تلك المشكلة مع طائرة التي وفرها الجيش وقت الحادث وكانت ''كبيرة'' وغير مؤهلة للتعامل مع المناطق الجبلية.
ذلك الحادث لم يكن الأول بمنطقة سانت كاترين فقبل خمسة أعوام وقع حادث شبيه لكن مع عدد من السائحين وبمنطقة أصعب تسمى ''الجلد الأزرق'' وتم تدارك الأمر عبر طائرة تابعة للأمم المتحدة (UN).