كتب- محمد منصور:
المكان: حي كوبري القبة، وتحديدًا أسفل كوبري ''الفنجري'' الواصل بين منطقة القبة وحي مدينة نصر، الفوضى تسيطر على المشهد كالعادة، سائقو الميكروباص يصطفون خارج الموقف المخصص لهم، عدد مهول من الباعة الجائلين يفترشون الأرض مكدسين بضائعهم في أكوام كبيرة محولين المكان إلى ما يشبه السوق ومانعين المارة من السير من الأماكن المخصصة للمشي.
القصر العتيق يطل عليهم في مشهد يجمع بين الاصالة والفوضى، هنا كان يسكن الملوك ويسيطر النظام الذى تبدل إلى عشوائية منفره في زمن ما بعد يناير 2011، تدوي الهتافات في الأفق تقطعها ''سرينة'' الشرطة المميزة، يزداد الهرج والمرج، يهرب البعض ببضائعه، فيما تقف الغالبية متسمرة، فالوقت لن يسعفهم لنقل بضائعهم الثمينة، والقوات تقترب بسرعة.
يمتلئ المكان بقوات الشرطة بمصاحبة بعض موظفي حي كوبري القبة، يحاول الباعة الدفاع عن ''لقمة عيشهم''، تارة بالكلمات وتارة أخرة بمحاولة الهروب بما تيسر من بضائعهم، يرفض ضابط برتبة نقيب إعطائهم ''فرصة ثانية''، يأمر العساكر بوضع كل البضائع التي يمكن حملها في سيارة نقل، وتكسير ما تبقي من فاترينات العرض الخشبية و ''تسويتها بالأرض''.
السيد حمدي مساعد رئيس حي كوبري القبة يقف على رأس القوات، يؤكد لـ''مصراوي'' أن حي كوبري القبة سيقوم بإزالة جميع إشغالات الطريق ومن بينها ''استيلاء'' الباعة على الرصيف ''الحكومي'' مشيرًا إلى أن الأوامر الصادرة لهم هي مصادرة البضائع لصالح الدولة و''تكسير'' جميع فاترينات العرض لمنع الباعة الجائلين من الرجوع إلى المنطقة.
يري ''حمدي'' أن شن حملات إزالة الإشغالات ''واجب قومي'' فقبل أيام وردت العديد من الشكاوي من جانب المواطنين ''اللي مش عارفين يمشوا فى الشارع'' وهو الأمر الذي استجاب له رئيس الحي فقام بإبلاغ ديوان القسم لتجهيز قوة تقوم بالإشراف على إزالة التعديات.
تبدأ المشاكسات، سيدة في العقد الرابع من عمرها ترفض مصادرة بضائعها، غير أن ضابط أخر يهددها ''هناخدها غصب عنك يابنت....'' ترفض السيدة السُباب، يأمر الضابط عساكره بوضعها في ''البوكس'' تقاوم السيدة، تفقد وعيها وينطلق سباب ساخط من ضابط أخر ''سيبوها بنت... كفاية ناخد البضاعة'' فيما يعتدي جندي أخر على بائع رفض تسليم ''صندوق خشبي''.
''عندي أربع ولاد ومليش مكان غير هنا'' يقول أحد الباعة المتضررين من عملية الإزالة، البائع يقف فى المكان عينه منذ ثورة يناير وحتى الآن ''مش بنضر حد ولا بنعمل مشاكل.. عايزين بس نأكل عيش''.. البضائع التي تمت مصادرتها منه تبلغ قيمتها 10 آلاف جنيه، قام بشرائها من أحد تجار الجملة بنظام التقسيط ''دلوقتي أنا هتسجن بسبب ثمن البضاعة.. المفروض أسرق ولا أعمل أيه عشان أأكل عيالي''، حسب قوله.
محمود سالم، بائع لعب أطفال يري أن الشرطة ''مفتريه'' والدولة لا تكترث لهم ''لا بيرحموا ولا بيخلوا رحمة ربنا تنزل'' فـ''محمود'' صاحب المؤهل العالي لجأ إلى بيع لعب الأطفال لعدم قدرة الدولة على توفير وظيفة ملائمة له ''ودلوقتي مبقاش قدامي غير السرقة''.
قبل عدة أشهر حاول الشاب العشريني اللجوء إلى الحي للحصول على ترخيص يُمكنه من عمل ''كشك'' إلا أن رئيس الحي رفض تمامًا وأخبره أن لا مكان، يتساءل الشاب عن مصيره ''المفروض أعمل أيه، البضاعة خدتها الحكومة والفترينة اتكسرت ومبقاش عندي مكان استرزق منه''.
بائع أخر، رفض ذكر اسمه، أكد أنه سيبدأ ''على رصيف أخر'' فى منطقة أخري ويستطرد ضاحكًا''هما كل شوية بيعملوا حملة على مكان.. أنا متعود على كده.. تلاقي بس حد مهم هيعدي من هنا بكرة ولا بعده.. أسبوع وهنرجع تاني.. دي لعبة قط وفأر''.