كتبت- إشراق أحمد:
ملامح هادئة، ابتسامة بسيطة، شعر منسق، عينان كالملامح ساكنة، تُلتقط الصورة، تسجل شخصيته، يحتفظ بها الشاب، وله تبقى ذكرى لعائلته، 6 يونيو 2010 تنقلب حياة ابن الثامنة والعشرين، يتغير سمت وجهه، ذعر، آلم، ظهرت أسنانه التي أخفاها خلف شفتين مطبقتين؛ لكنها منكسرة، تعذيب لحق به منحه لقب ''شهيد الطوارئ''.
''خالد محمد سعيد صبحي قاسم''، لا يختلف عن كثير من الشباب المصري، كانت صورته وتفاصيلها سببًا في حزن، تبعه غضب، ومن ثم تحرك، انتشر الخبر، لم يكن الأول الذي يتم تعذيبه على يد أفراد الأمن، لكنه بات صاحب بداية حراك شعبي وجد المتضامين في نفسه شيء يثيرهم للرفض والاحتجاج، مع كل جلسة بقضيته عبرت عن الأوضاع، فكان كـ''ميزان'' تقاس به الأمور، ونجاح ثورة كان ''أيقونتها''.
ستة أشهر، وقفات كان أولها 10 يونيو، والدته حملت لقب ''أم'' لكل من يقابلها، دموعها تحمل ملامحه التي وارت الثرى، طلب تسليم مرتكبي ''الجريمة'' كان هو ذاته ''جريمة''، تستحق الاحتجاز، حيث تم القبض على النشطاء السياسيين ''حسن عبد الفتاح'' و''أحمد جابر''، تصاعدت حدة الغضب والرغبة في التخلص من النظام القاتل لكل ''سعيد''، ومحرر له تقرير طبي يقول إنه توفى''بإسفكسيا الاختناق لابتلاعه لفافة تحتوي على مخدر البانجو خشية ضبطها معه خلال قيام الشرطيين بإلقاء القبض عليه''، رغم الشهور المنصرمة والمحتجزين والمعذبين المجهولين داخل وخارج القضبان، غير أن صورة الشاب لم تختف عن ثورة بدأت 25 يناير 2011.
تهم الأيدي، تلتقط ورقة ''استنسل''، جهزت عليها صورته المتداولة، تضعها على الحائط، الابتسامة ذاتها مرفق بها ''كلنا خالد سعيد'' التي أضحت مع مقتله صفحة على ''فيسبوك'' انطلقت منها شرارة الدعوة للثورة، ومن بعدها ''أسلوب'' تضامن مع من يسقط في الأحداث، وعلى جدران وزارة الداخلية، بالطرق، على ورقة بيضاء كان هو، يجتمع عليها النشطاء من تيارات مختلفة، وأعمار متعددة، يطالبون ''بالقصاص''، بالنسبة لهم تحقيقه أحد انتصارات الثورة، يلقي بظلاله على رفاقه من الشهداء.
ثلاثة أعوام، على أول وقفة اصطف فيها الجمع على كورنيش الإسكندرية، بلا حراك، مطالبين بمحاكمة المتورطين في جريمة التعدي على ''خالد'' حتى أودوا بحياته بين أيديهم، دون أن يحدث سوى القبض على أمين الشرطة ''محمود صلاح'' والمخبر ''عوض إسماعيل'' وحبسهم 4 أيام على ذمة التحقيق في 20 يونيو 2010 بتهمة القبض على مواطن دون وجه حق، والقسوة في التعامل، لم يذكر لفظ التعذيب طيلة جلسات المحاكمة التي بدأت فور إحالتهم إلى الجنايات في يوليو 2010 وحتى مع إعادتها في يوليو 2013.
سقط النظام، زارت ''ليلى مرزوق'' ميدان التحرير، آملت في عدل يقام بعد ثورة مات بها من في مثل عمر ابنها، خفت صدى القضية مع تكرار تأجليها لكن هناك من لم ينس، ظل على تحديه منذ اليوم الأول إيمانًا بأنها جريمة لا يجب السكوت عنها، فتحققت رؤيته بأنها ''القشة التي قسمت ظهر البعير''، فتلك المرة الأولى الذي يتواجد الدليل المدين لسياسة التعامل ''القمعي'' من قبل الداخلية، أقصى عقوبة ما تمناه ''هيثم الحريري'' –ناشط سياسي- منذ اليوم الأول لتضامنه مع القضية، وكل المتضامين كحال عائلته.
يأخذ بفرشاته يقرر تغيير الصورة المتداولة، في ''محمد محمود'' جاء النبأ بمسح ''الجرافيتي''، احتشد الجمع، قرروا الرفض بطريقتهم، إعادة الرسم مرة أخرى، ''خالد سعيد'' بين الرسومات، لكن بعد وفاته وليس بابتسامته المعهودة، الكثير مستاء، القضية لا زالت بالمحكمة، التأجيل مصير مكل جلسة، والاعتداء من قبل أهالي المتهمين والمتضامين معهم أفضى لامتناع عائلة ''خالد'' من التواجد وكذلك المناصرين للقضية، فكان المنزل مصير العائلة انتظارًا لنبأ المحامي حسبما قالت ''زهرة سعيد'' شقيقتة ''شهيد الطواريء''، وطريق المنشية خارج المحكمة ملجأ النشطاء والمتابعين للقضية.
ما يقرب من 8 جلسات، حتى يسدل الستار على القضية التي كانت بمثابة ''ترمومتر'' للأوضاع، ''اعترف كان في تقصير من كل القوى الوطنية نتيجة الممارسات القمية التي لم تتوقف وأرسى لها قانون التظاهر''، ما سار الأمر على وتيرة الحماس للقضية مع بدايتها وفقًا لـ''الحريري''، كما لم ينقسم النشطاء كما أكد، بل هدأ الأمر لفترة، لكن لم تتوقف المطالبة بالقصاص لجميع الشهداء الذين يتساقطون حتى اليوم، نتيجة فساد لم يحارب بعد ثورتين حسبما ذكر ''الحريري''.
10 سنوات حكم مشدد على المتهمين، وجدته شقيقة خالد ''غير كاف'' لكن العزاء في منطوق الحكم والاتهام الذي تغير وصفه إلى تعذيب أفضى إلى موت ليرد كرامة أخيها بعد حملة تشوية نالت منه، وينصف الثورة التي تتعرض هي الأخرى للاقتناص من قيمتها، ''احساس مزدوج'' وصفته ''زهرة'' بين فرحة بانتزاع شيء من العدل، وحزن لفراق شقيق لن يعيده شيء لكن السنوات الأخيرة علمتها درس الحياة أن ''اللي مصمم يرجع حقه مايستناش حد تاني يجيب له''، مؤكدة استمرارها في المطالبة بالقصاص لجميع من قتلوا وعذبوا في السجون.
يتذكر المرة الأولى التي وقف فيها مطالبًا بالقصاص، واليوم الذي تعرض للإصابة نتيجة لذلك، 2 ديسمبر 2013 الماضي أمام محكمة جنايات الإسكندرية، ضابط ملثم بعصاه الحديدية، يهم بضرب ''طاهر مختار'' أثناء فض الوقفة بدعوى ''عدم حصولها على تصريح''، صورة القبض على بعض المشاركين الذين حفظ وجوهم لكثرة ملاقتهم، محفوظة بذاكرته كما صورة ''سعيد''، الحكم رغم ذلك لم يلق لديه قبول ''غير عادل وده رجاع لظروف سياسية''، لكن ذلك لن يحيد الطبيب البشري عن إيمانه بالثورة التي يوقن أن ''سعيد'' أيقونتها، ويعبر عنها في كل مرحلة.
لا زالت الاعتقالات مستمرة، ''النظام يحشد رجاله'' برسالة ''اللي هيتقتل مالوش دية''، فالقصاص بالنسبة له ليس بالسنوات العشرة العقوبة التخفيفية بل ''إعدام كل من قتل الشهداء''، وتحقيق شعار الثورة ''عيش..حرية عدالة اجتماعية'' والحصول على حرية حقيقية ''مش كل اللي ينزل يطلب يضرب ويعتقل''من وقتها تنتصر قضية ''خالد سعيد'' و''الثورة'' حسبما قال ''مختار''.
في ''محمد محمود'' لم يعد هناك آثر لجرافيتي ''سعيد''، مكانها ''سيد خالد'' طفل سقط بأحداث التي وقعت بالشارع 2011، يمسك بكسرة خبز، بينما بالسجن يقضي أربعة – عمر حاذق، لؤي القهوجي، ناصر أبو الحمد، إسلام محمدي- من أوائل المتضامين مع القضية، عقوبة السجن سنتين ودفع غرامة 50 ألف جنية، في حين يتغيب ''حسن مصطفى، ماهينور المصري، موسي حسين'' عن تنفيذ الحكم الصادر عليهم –السبعة- للتظاهر دون تصريح في إحدى جلسات محاكمة قتلة ''سعيد''، في حين خلت صفحة ''كلنا خالد سعيد'' من الكلمات منذ 3 يوليو 2013 بعد تعليق على إحدى المحاكمات سطره القائمون عليها، لازال بذاكرة البعض ''خالد مش سعيد''.