القاهرة - (راديو هولندا):
الفتاة المصرية، وربما العربية، ممثلة بطبعها، فهي تتربى منذ الصغر على عدم الصراحة وإظهار الوجه الذي يريد الناس أن يروه لا وجهها هي، على اعتبار أن ذلك يزيد من احترام الناس لها.
تبدأ الفتاة المصرية حياتها في الصغر باختلاق حكايات لزميلاتها حول وجود معجبين بها ومحبين لها لإثبات أنها مرغوبة من الجنس الآخر، وفي شبابها تتجمل بأكاذيب عن عائلتها وثرائها وحسب ونسب أهلها، لعلها تجذب عريسًا ثريًا يحسن من مستواها الاجتماعي.
تواصل الفتاة رحلة التمثيل عند مقابلة العريس، وتُخفض من صوتها، وتتدعي الخجل الزائد عن الحد في بعض الأحيان، وقد يكون ذلك عكس حقيقتها تمامًا، لكنها تعرف أن هذه هي المواصفات التي يرغب فيها الشباب.
وهكذا تخلع الفتاة قناعا لتلبس آخر، وتواصل تبديل الأقنعة، حتى تنسى وجهها الحقيقي، وشخصيتها الحقيقية، فتكون مضطرة للابتسام فيما هي حزينة، ولرسم الحزن على ملامحها حين يحزن المحيطون بها، وتدعّي العزلة لأنها تعرف فهم الآخرين السيء للانفتاح.
الكذب الاضطراري
شابة تعيش في صعيد مصر تحكي عن حكايتها مع التمثيل العاطفي: ''الوضع في الصعيد أسوأ كثيرا منه في القاهرة والوجه البحري، فلو أنشأت البنت حسابًا لها على تويتر أو الفيس بوك، تنشئه باسم مُستعار، ولا تضع صورتها خوفا من أن يراها الناس منفتحة أكثر من اللازم''. وتتابع: ''هذا حدث معي بالفعل. رفض ابن عمتي الارتباط بي بعدما عرف أنني أتحدث مع أصدقائي عبر الفيس بوك. كذلك لو كانت البنت الصعيدية تعمل في مهنة توجب عليها الاختلاط، فهي لا تستطيع أن تقول ذلك في أوساط العائلة خوفا من نظرة الأقارب إليها''.
سيدة قاهرية متزوجة قالت: ''لا أعتبره كذبا بالمعنى الديني. أكذب، لكي أفعل ما يريده مني المجتمع. عندما جاء زوجي الحالي ليطلب الزواج مني ارتديت كل الحلي الذهبية، التي يمتلكها أقاربي، حتى أظهر بالثراء الذي يجعله متمسكا بإتمام الزواج. وحتى في العلاقة يمنعني الحياء من أن أصرح بما يجعلني سعيدة، وما لا أرغبه في العلاقة، فأضطر للتظاهر بالسعادة طوال الوقت.
مشكلات نفسية
يعرف علماء النفس الإفراط في الكذب بـPseudologiafantastica أو mythomania، وهي عادة إلزامية الكذب والمبالغة والإفراط فيه. والكذب المجتمعي بعضه يضر بصاحبه وبمن حوله، وبعضه لا يضر أحداً، لكنه يظل كذبًا وادعاءً ناتجًا عن الضغط الاجتماعي المفروض على الفتاة الشرقية والمصرية بوجه خاص، وإلا أصبحت غير مقبولة مجتمعيا.
ينصح علماء النفس في هذه الحالة بالصدق مع النفس، وعدم تضييع العمر في تبديل الأقنعة لأنها مُرهقة وتضر كثيرا بالحالة النفسية، وقد تتطور مع تواصل التمثيل حتى تصل إلى درجة ''فصام الشخصية'' وأمراض أخرى صعبة العلاج. وأيا كانت العواقب التي ستتحملها الفتاة في حالة تحدي المجتمع والظهور بوجهها الحقيقي، فإنها على أي حال ستكون أفضل من الأمراض النفسية التي ستصيبها بكثرة ارتداء الأقنعة.