دمشق - ( راديو هولندا):
في سوريا الافتراضية، سوريا ''الفيسبوكية''، انفتحت النوافذ الزرقاء، لتتيح للسوريين إمكانية التواصل الاجتماعي، والتفاعل عبر خدماتها، ولكن، هل استطاع السوريون أن يستفيدوا من التواصل الافتراضي لتعزيز التواصل المدني والميداني؟!
توضح نظرة تفصيلية، بأن انتشار التواصل الافتراضي بين الشباب السوري، في الداخل والخارج، حقق مجموعة من النتائج الإيجابية، منها كسر العزلة، وسهولة الوصول ونقل المعلومة إلى وسائل الإعلام، والتواصل مع منظمات المجتمع المدني الناشطة في الخارج والداخل، ولكن في المقابل، قدم هذا التواصل الأزرق نفسه كبديل عن التواصل الاجتماعي الميداني.
في ظل خطورة هذا التواصل إثر انتشار السلاح من جهة، والمحاذير الأمنية من جهة أخرى، وصار من البديهي أن ترى مئات الصفحات الزرقاء تحت عناوين عريضة تتعلق بحقوق الإنسان والمجتمع المدني والإغاثة، وتجمعات افتراضية في كافة المجالات، سياسية وفنية وأدبية، بينما يكاد يكون وجودها الفعلي على الأرض معدوماً.
منجز حضاري
قال المهندس الزراعي ''أبو علي'': ''بإمكانك أن تشتري معولاً، وتحرث به حديقة منزلك الخلفية، وتزرع الورد والنباتات. وبإمكانك أن تستخدم المعول أيضاً في تهديد رجل في الشارع وسلبه نقوده''. وأضاف: ''المعول لا شأن له بما تفعل ، إنه منجز حضاري، ولكن طريقة استخدامك له هي التي تحدد اتصالك مع هذه الحضارة التي أنتجته''.
لا يشعر أبو علي بالتفاؤل الآن. ويعتبر أن هناك مفارقة تكمن في تزامن السماح باستخدام الفيس بوك الأزرق عند السوريين، مع بداية حراك أحمر في العالم العربي. فتحت تلك النوافذ الافتراضية في سوريا عام 2010، قبل أن يحرق البوعزيزي نفسه في تونس بأشهر قليلة، مطلقاً بذلك شرارة ستأكل الأخضر واليابس. وتفجر التناقضات المحبوسة منذ عقود في المجتمع العربي الأصفر. وليهز عروش الأنظمة، ويفتح بوابات الجحيم على مصراعيها.
المعول الطائفي
يختلف علي، الذي يدرس الرياضيات في الجامعة، عن أبيه. ويعتبر أن ''الواجب الحقيقي للإنسان هو أن يعبر عن نفسه في صفحته الخاصة في الفيس بوك. وإذا كان طائفياً فهذا طبيعي لأن سوريا طائفية. وإذا أظهرت الحوارات الافتراضية بين الأفراد عبر الفيس بوك، الخلل الطائفي في نقاش الكثير من القضايا الإشكالية بين الشباب السوري، فهذا لا يعني أن الصفحات الزرقاء ساهمت في تنامي الحس الطائفي لدى الشباب السوري. ولكن يعني أنها كشفت عن الغطاء الذي يختبئ تحته السوريون. وإذا كان السوريون مسالمين في أزمة قبل الفيس بوك، فهذا لا يعني أنهم وجدوا طرقهم لتجاوز الطائفية على الأرض، ولكن يعني أنهم لم يجدوا الفرصة للتعبير عن طائفيتهم''.
يتابع علي: ''يكفي أن تقول رأيك وأنت تجلس في البيت خلف شاشة الكومبيوتر، أو في مقاهي الإنترنت، بينما تسير في الشارع صامتاً. وإذا أردت أن تعبر عن رأيك بوضوح وتحت الشمس، ستقع في مشاكل كثيرة''.
الحديقة الخلفية
كتب أبو علي في صفحته الشخصية على الفيس بوك: ''هكذا تبدو الحديقة الخلفية للبيت السوري حديقة مهملة تنتشر فيها الأشواك وتفوح منها رائحة الدم، بينما يشهر السوريون معاولهم في وجوه بعضهم البعض. وإلى الآن، يبدو التواصل الافتراضي مزدهراً بين الشباب السوري، لكن خلف هذه الصفحات الزرقاء البراقة، ثمة عزلة قاتلة، وشباب هاربون من جحيم الواقع، نحو جنة الافتراض''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا