كتبت- ندى سامي:
ورقة بالية ربما عنى أحدهم ليفردها ويزيل غبارها لتصلح للكتابة، نقش عليها بأيدٍ مرتعشة رافضة الخنوع لعويل الشتاء وظُلمة المحبس، تحمل في ثناياها صمود كاتبها، بحروف واثقة ترغم غضاضة الواقع على التمسك بالأمل في التحرر من القضبان، لتصبح هذه الورقة هي وسيلة التواصل بين المرسل من داخل زنزانته إلي المرسل إليه من الأهل والرفقاء.
لم يخل صوتها من براءة الأطفال، وعنفوان الشباب، وحكمة الكبار، ''آيات الله ممدح'' أو '' آيات حمادة''، لم تنهِ عقدها الثاني بعد، فهي في عامها الجامعي الأول كطالبة بكلية التجارة بجامعة الأزهر، تضامنت ضد تعدي عساكر الأمن بفتاة، لم تعرف حتى اسمها، ليكون جزائها الاعتقال، وتصبح إحدى المراسلات من خلف القضبان.
أرادت ''آيات'' أن تبعث الأمل في نفوس أصدقائها، فكتبت أول رسالة لها وهي لم تزل في القسم، قبل ترحيلها، حيث كانت الأوراق والأقلام ليست من الممنوعات، لتقوى عزيمتهم وإصرارهم على الصمود ضد انتهاكات قوات الأمن داخل الجامعة لمجرد التعبير عن الرأي –حسب وصفها، وتعنت الإدارة مع الطلاب، فيما أوضحت لـ ''مصراوي'' أنها لم تنتمِ لجماعة الإخوان المسلمين، مضيفة أنها شاركت في حملة ''تمرد''، ولكنها ترفض ''الدم وكبح الحريات''، فكانت مع المضربين عن الامتحانات حتى الثأر لدماء الطالب المصري وحريته، فيما استدعتها إنسانيتها في الاشتراك كمسعفة بعد أحداث الحرس الجمهوري.
إصرارها على توصيل صوتها وصوت زميلات محبسها، جعلها تعرض نفسها لمشقة التفتيش المهين، واستغلت أول زيارة لمحاميها وأخذت منه أوراق لتدون عليها رسائلها، أخفت رسائلها عن عيون سجانيها ''كنت بخبي الورق في المخدة وفي التوكة''، مشيرة إلى أنه عُثر على رسائلها أكثر من مرة وتم تمزيقها حتي لا تتمكن من إرسالها.
فكرت أن تعطى رسائلها لوالدها، ولكنها خشيت أن تغلب عليه أبويته البائسة على ابنته الوحيدة، وخوفه على ألا تتعرض لسوء من جراء نشر الرسائل، فاستغلت أول زيارة لأصدقائها، وأوصتهم بضرورة نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي لكي تصل إلى أكبر عدد من المحبطين وتعيد لهم عزيمتهم.
حكايات عن تعذيب وتحرش وإهانة ضمنتها في خطاباتها، ولكنها تحدثت بنفس قوية لم تهزمها الإهانة أو يتخللها اليأس، وأضافت أن رسالتها الأخيرة ظلت في جوربها لمدة ثلاث ليالٍ، تترقب الفرصة السانحة لكي تستطيع توصيلها، وعلى مدار 54 يوما لم تستطع إلا توصيل ثلاث رسائل فقط، ولكنها كفيلة بأن ترد القلوب الجريحة على بلادها، وتعصم العقول عن الإحباط.
كلمات قلائل شفهية أو كتابية تصل من خلف القضبان، ينتظرها عبد العظيم فهمي، أو ''زيزو عبده'' كما يلقبوه، القيادي بحركة 6 إبريل، ورفقائه، كمرسل إليهم، عبر بوابات السجن، ليطمئن قلوبهم على أصدقائهم الثوار المعتقلين داخل السجون، وليتمسكوا بشعاع أمل ينير لهم دروب الحياة المليئة بمرارة ضياع ثورتهم ''المعتقلين هما الأحرار وإحنا المساجين'' هكذا قال زيزو عبدو لـ ''مصراوي'' عن رفقائه المعتقلين وعلى رأسهم ''أحمد ماهر''، مؤسس الحركة التي ينتمي لها، والذي أرسل بعدد من الرسائل من داخل المعتقل لأعضاء الحركة لحسهم على مواصل طريق الحركة المعارضة.
وأوضح ''زيزو''، أن تلك الرسائل لها دور فعال في شد أزر الثوار خارج السجون، كما أنها ''تثبت أننا على طريق الصواب''، وعادة ما تصل تلك الرسائل من نشطاء معروفين وغير معروفين، عن طريق أهاليهم أثناء الزيارات، تحمل توصيات لأعضاء الحركة بالصمود والثبات، وتحوي في طياتها رائحة العذاب وبطش السجان، والانتهاكات التي تحدث خلف الجدران سواء كانت جسدية أو لفظية لتعبر عن مدى سادية قوات الأمن في التعامل مع الشباب المعتقلين الذين يعتبرونهم أعداءً للوطن''، على حد تعبير القيادي بحركة 6 إبريل.
حالات تحرش جنسي بالفتيات وإهانات قاسية بالشباب، يحاول زيزو ورفقائه، رصدها وجمعها في محاولة دؤوبة منهم ليكشفوا ما تستره وسائل الإعلام وتكذبه الداخلية على حد قوله، من رحلات تعذيب وانتهاكات تحدث داخل السجون، موضحا أنهم يعملون جنبا إلي جنب مع المنظمات الحقوقية، التي تعتبر ضلع أساسي في جمع وعمل الملفات ورصد حالات التعذيب بالأرقام والإحصائيات.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا