بي بي سي:
عندما اندلعت شرارة الثورة في تونس في نهاية عام 2010، كان الشباب الذين فجروا الثورة يرفعون شعار "شغل وحرية وكرامة وطنية". وعبر اكثر من ثلاث سنوات من الحراك السياسي والتغييرات المتلاحقة في تونس، بدا المشهد مختلفا، بصورة واضحة، عما كان عليه قبل 14 يناير/كانون الثاني 2011، حين هرب الرئيس السابق زين العابدين بن علي الى السعودية بعد ان تصاعدت الاحتجاجات ضد حكمه.
فقد نجح التونسيون في اقرار دستور جديد يوم 26 يناير/كانون الثاني 2014 بدرجة عالية من التوافق، اذ وافق عليه 200 عضو من اعضاء المجلس التأسيسي، والذين يبلغ عددهم 216 عضوا، كما نجحوا في الاتفاق على حكومة من شخصيات مستقلة بقيادة مهدي جمعة تقود البلاد حتى الانتخابات القادمة. هذه الانجازات وصفها الرئيس التونسي المنصف المرزوقي بلاده "بالمعجزة التونسية"، اذ تمكنت تونس "من الحفاظ على الحرية والامن ونموذج من الاعتدال" على حد وصفه.
غير ان تونس لا زالت بعيدة عن تحقيق اهداف الثورة، كما قال الرئيس التونسي نفسه، ولازالت هناك تحديات هائلة تواجه تونس في مختلف المجالات، السياسية والاقتصادية والامنية، ولازالت هناك تغييرات واسعة يتطلع اليها الشباب في تونس، ولا يتوقفون عن الجدل حول افضل الطرق لتحقيقها.
هذا الجدل والحوار المستمر حول القضايا التي تحتل صدارة اهتمام الشباب التونسي كان موضع حلقة من برنامج "حوار الجامعات" من البي بي سي في العاصمة التونسية، وضمت مجموعة من الشباب التونسي الذي يشارك في برنامج "صوت الشباب العربي" الذي ينظمه المركز الثقافي البريطاني.
هل يجب تجميد الاعتصامات لفترة؟
ومن ابرز القضايا التي يثور حولها الجدل حاليا، الدعوة من قبل الحكومة التونسية الى "هدنة" من الاعتصامات والاحتجاجات، كما وصفها رئيس الوزراء التونسي مهدي جمعة، بهدف منح حكومته فرصة للعمل في مناخ موات لتحقيق لزيادة الانتاج في مختلف القطاعات، وذلك لتوفير فرص العمل التي يتطلع اليها الشباب التونسي. اذ ان هناك من يؤيد الحاجة الى تجميد مؤقت للاعتصامات والحركات الاحتجاجية، التي بلغت آلاف الحركات منذ قيام الثورة، وذلك لتشجيع الاستثمار، ومن بين هؤلاء كمال الهاشمي الذي يدرس نظم تطبيق المعلومات بجامعة تونس.
ويرى الهاشمي ان استمرار الاعتصامات سيؤدي الى هروب المستثمرين، وتراجع عائدات الدولة من العملات الاجنبية، وبالتالي المزيد من الانخفاض في قيمة الدينار التونسي، ومن ثم، لابد من تجميد حق الاعتصام حتى موعد الانتخابات القادمة حتى يتحقق الاستقرار الاقتصادي اللازم للتنمية. علاوة على ان الاعتصامات لا تهدف لتحقيق مصلحة عامة لكل المجتمع التونسي، كما يرى، وانما تهدف لمصالح فئات معينة او مجموعات معينة، مثل الاعتصام ضد تعدد الزوجات او الاعتصام لسكب الحليب، والذي اسفر عن ارتفاع ملحوظ في اسعار منتجات الالبان في تونس. ومن ثم، يرى الهاشمي ان الثمن الباهظ الذي يدفعه المجتمع بسبب هذه الاعتصامات يستلزم ضرورة توقفها لفترة.
وتتفق معه اروى شهابي، وهي حاصلة على ماجستير جيولوجيا من جامعة تونس، على ان الاقتصاد التونسي في وضع صعب، الأمر الذي يتطلب التوقف لفترة عن الاعتصام لتحقيق الاستقرار الاقتصادي. وترى ان اغلب الاعتصامات حاليا تطالب بزيادة الاجور، وهو امر غير ممكن دائما، ونتائجه عادة سيئة، مثل اضراب عمال النظافة الذي ادى لتراكم القمامة في الشوارع.
لكن على الجانب الآخر تختلف عفراء فضيل، وهي طالبة ماجستير قانون بجامعة تونس-قرطاج مع هذا الرأي، وترى ان تونس انجزت نصف المطلوب فقط، وذلك باقرار دستور جديد والتوافق على حكومة مستقلة، ولم تحقق كل ما تسعى اليه من تحول ديمقراطي. ولن تصل تونس، كما ترى، للديمقراطية الكاملة الا بوجود حق الاعتصام والاضراب عن العمل، والذي يهدف الى الضغط على الحكومة لاستبدال نظام او سياسة فاشلة بنظام او سياسة اخرى افضل واكثر نجاحا. وتحذر من ان التنازل عن حق الاعتصام، ولو لفترة، هو خطوة في اتجاه العودة الى الاستبداد.
هل الافضل تخصيص مقاعد للمرأة والشباب في البرلمان؟
موضوع آخر يثير الكثير من الجدل في تونس، وهو مطالبة البعض بفرض حصة، او "كوتا"، للمرأة والشباب في البرلمان والحكومة، وذلك لضمان وجود فعال ومؤثر للشباب والنساء في المؤسسات السياسية التونسية.
هذا هو الاتجاه الذي تؤيده رانيا بن يوسف، التي تدرس الرياضيات بجامعة تونس، اذ ترى انه لابد للسعي الى المساواة بين المرأة والرجل، خاصة وان المرأة التونسية اثبتت جدارتها في مختلف المجالات، وتفتخر كما تقول، بالدستور التونسي الذي نص على المناصفة في القوائم الانتخابية بين المرأة والرجل. لكن النتيجة في الواقع مختلفة، اذ ان تمثيل المرأة في الحكومة مثلا ضعيف ويقتصر على ثلاث وزيرات، ولذلك لابد من حصة نسبية للمرأة. كذلك بالنسبة للشباب الذين اسقطوا احد اكبر الديكتاتوريات في المنطقة، ولكن لم يحظوا مع ذلك بالتمثيل الكافي في البرلمان او الحكومة.
لكن هناك من يرى انه اذا كنا نسعى الى المساواة بين المرأة والرجل، فلا يجب ان نعتمد على تخصيص حصة للمرأة في البرلمان وغيره من مؤسسات الدولة. من هؤلاء حمزة الجيزاني، طالب ادارة الاعمال بجامعة تونس.
ويمضي حمزة فيقول ان الكفاءة يجب ان تكون المعيار الوحيد في الاختيار لشغل المناصب السياسية، ويمكن في هذا الاطار ان تكون الاغلبية للنساء، وليس مجرد حصة ثابته لهن في كل الاحوال، خاصة وان المرأة التونسية تتمتع بكل حرياتها منذ صدور قانون الاحوال الشخصية في تونس عام 1957 (في عهد الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة).
وتتفق معه وفاء القربوط، وهي طالبة تدرس اللغة الانجليزية بجامعة تونس، على انه طالما اثبتت المرأة التونسية كفاءتها في مختلف المجالات، وبالتالي فان تخصيص حصة ثابتة لها في المؤسسات السياسية ليس في صالحها لأنها قادرة على ان تنجح وتثبت نفسها بدون "التمييز الايجابي" الذي يطالب به البعض. وفي النهاية فان من يجب ان يفوز باي منصب هو الاقدر والاكثر كفاءة، بغض النظر عن جنسه.
ولا يتوقف الجدل بين الشباب التونسي حول هذه القضايا وغيرها من القضايا الحيوية في تونس، وهو بلا شك حوار ضروري لكي تكتمل تجربة الديمقراطية في تونس، مهد الربيع العربي، ويتحقق لهؤلاء الشباب بناء الدولة التي يتطلعون اليها في تونس، وهي دولة ديمقراطية متطورة اقتصاديا واجتماعيا، بحيث تكون تونس، كما قال كثيرون من هؤلاء الشباب، نموذجا يحتذى في المنطقة العربية.
يقول محمود القصاص رئيس تحرير برنامج نقطة حوار، ان سلسلة "حوار الجامعات" يقدمها برنامج نقطة حوار بهدف مناقشة ابرز القضايا التي تحتل صدارة اهتمام الطلبة العرب في مختلف مواقع دراستهم، سواء كانت في الدول العربية او خارج العالم العربي. ويتم اختيار الموضوعات التي تناقش في البرنامج بناء على ما يقترحه الطلبة انفسهم، وبالتالي فان الحوار يبدأ من شباب الجامعات وينتهي بهم.
تبث حلقة "حوار الجامعات"، التي سجلت في تونس، يوم الاثنين 24 فبراير على شاشة البي بي سي في الساعة 16:06 (بتوقيت جرينتش)، وتعاد في نفس اليوم الساعة 22:00 ثم في اليوم التالي الساعة 2:00 (بتوقيت جرينتش).
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا