كتبت- دعاء الفولي:
ظلال مسجد الأقمر بشارع المُعز كانت تفيض على المبنى القديم، أصوات الحدادين في المنطقة اختلطت بآذان المسجد، وأغاني قديمة قادمة من قهوة قريبة، المبنى المشيد على الطراز العثماني يبدو للناظرين بلا حياة، لونه الباهت، وحجارته الكبيرة المُطعمة بآية قرآنية، للداخل قليلًا كان المكان مختلف، طُرقة طويلة نسبيًا ثم مساحة دائرية أشبة بمضيفة لاسقبال الزوّار، صوت فيروز يشدو ''اعطني الناي وغنّي''، ثَمة شباب يُنظمون المكان، يُرتبون محتوياته لاستقبال الضيوف.
''ربع السلام'' هو الاسم الذي قرر أصحاب مبادرة ''سلام'' إطلاقه عليه، يريدون بذلك جذب الناس لإفشاء السلام النفسي بينهم، المبنى مُقسم لأكثر من قاعة، إحداها قاعة للسينما أو المحاضرات وهي قاعة ''نجيب محفوظ'' وهناك عدة غُرف أخرى قرر الشباب استخدامها لأغراض متنوعة.
''مصطفى جاد'' أحد القائمين على تأسيس ''ربع السلام''، قال إن الفكرة شراكة بينه وبين الفنانة التشكيلية السعودية ''نورا المغلوث''، يريد بتأسيس الربع نشر المباديء الأساسية للسلام ''نفسنا كل إنسان يبقى مبسوط'' معتمدًا على ثلاث محاور رئيسية؛ الفن، المساعدة وتربية الأطفال ''ولما الحاجات دي تتحقق هيحصل السلام النفسي ومن ثم السلام السياسي لأن لما الإنسان يبقى مسالم مش هيحصل عنف أو حروب''.
جمعية ''فداء'' للإدارة والتنمية هي القطب الآخر لمبادرة ''سلام''، ''كنا في شارع المعز بالصدفة وشوفنا المقر هنا فدخلنا واتكلمنا مع الجمعية ورحبوا بالفكرة''، خمس وعشرون شخصًا هم القائمون على الفكرة في الأربع دول ومنهم يأتي التمويل ''احنا اللي بنمول نفسنا''.
المبادرة لا تقتصر على مصر فقط، ''فكرنا نشتغل على الدول العربية كبداية اخترنا السعودية والأردن ومصر وتونس''، بدأت فرق العمل في تلك الدول منذ شهر نوفمبر الماضي، نشاطاتهم بدعوة الناس لحمل شعار المبادرة ''لا للعنف.. لا للحروب''، حيث طلب القائمين عليها من الجمهور على فيس بوك التقاط صورة لأنفسهم بذلك ''فكرنا نجمع عشر آلاف صورة من انحاء العالم''، ثم بدأت رحلتهم على الأرض ''نزلنا شارع المعز ووزعنا بونبوني''.
استجابة الناس تفاوتت في الشارع ''ردود الأفعال كانت حلوة جدا''، يذكر ''جاد'' بائع البطاطا الذي قال لهم ''ربنا يسلّم طريقكوا'' بعدما استوعب محاولة الشباب لإدخال السرور على قلبه بالحلوى، حاول الشاب العشريني توصيل هدف المبادرة له بطريقة بسيطة ''قولتلوا إن السلام النفسي يعني تنزل تشتغل أو تقعد مع أهلك تاكلوا وانتو راضيين ومبسوطين''، لم يمنع ذلك البعض من التشكك في نوايا متطوعي الحملة ''فيه ناس قالولنا انتوا مين بيمولكوا وفين ناس قالولنا انتوا فاكرين إنكوا هتصلحوا الكون''.
''ربع السلام'' يضم أشياءًا أخرى، سينما، مكتبة، قاعة ندوات، يسعى القائمون على المبادرة لاستغلالها لخدمة الناس بأسعار زهيدة ''فيه سينما الربع ب8 جنية.. الكافتيريا أسعارها هتبقى رخيصة جدا''، وفي المستقبل سيضم المكان مستشفى صغير لخدمة الغير قادرين وحضانة للأطفال ''السينما ودخول الربع هنا أو المشاركة في أي نشاط هيبقى من غير فلوس لغير القادرين''.
فكرة المبادرة جاءت لـ ''جاد'' منذ فترة طويلة ''انا كنت ساكن في وسط البلد فكنت بتفرج على الناس''، حالة من التوحش أصابت علاقات المواطنين على حسب قوله ''الإنسان المصري تحول لغول بسبب السياسة من أول 2010 ولحد دلوقتي''، ومع الوقت ازداد التعوّد لدى صاحب المبادرة على مناظر القتل والدماء ''أول مرة لما شفت صاحبي في ثورة يناير وقع قدامي مقتول جاتلي حالة هلع بعد كدة ابتديت أتعود في الأحداث التانية''، دفعه ذلك للتفكير في إصلاح ما أفسدته السياسة ولو قليلًا. كان ذلك مُثمرًا ''المبادرة ساعدتني أنا شخصيًا عشان أوصل للسلام النفسي وفرقت مع الفريق كله.. عدم وجود سلام نفسي هيخلي الناس مبتعرفش تعيش''.
بعض الأماكن لا يصلح معها مضمون المبادرة، تلك الدول التي فُرضت عليها الحروب كسوريا أو فلسطين ''قلنا إن كل ألف صورة هنجمعها هنعمل مهرجان في الأربع دول العربية المتبنية للمبادرة وعائد المهرجان هنجيب به سلع تروح للدول دي''، استطاع المتطوعين تجميع حوالي 1000 ريال سعودي مما يكفي لسد جوع عشرين فرد ووصلت إلى اللاجئين بمخيم اليرموك بالفعل، بالإضافة لمحاولات أخرى لمخاطبة المؤسسات الخيرية للتعاون معها ''لما السلع توصل للناس اللي في حالة حرب هتحقق لهم على الأقل سلام مادي بشكل شخصي وهو أنهم يضمنوا أكلهم''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك...اضغط هنا
