( أصوات مصرية):
تمثل المخلفات أزمة كبيرة في مصر، بسبب انتشارها في معظم الشوارع لا سيما في القاهرة والجيزة، وقد عجز المسؤولون عن السيطرة عليها وبرروا ذلك بأن الشركات الأجنبية التي تجمعها لم تف بتعاقدها مع الدولة لإنهاء هذه القضية.
ويشير الخبراء إلى إمكانية تحويل المشكلة إلى أمر مفيد عبر إعادة تدوير المخلفات، كما هو الحال في عدد من الدول الأوروبية التي لم تكتف بما يخلفه سكانها، بل تستورد كميات إضافية من الدول المجاورة كالسويد التي تستخدمها في إنتاج الطاقه والكهرباء منها.
ورغم ما تسببه هذه المخلفات من إزعاج لأجهزة الدولة وتلوّث بيئي إلا أنها تعد مصدر دخل للبسطاء الذين امتهنوا "النبش" فيها لاستخراج ما تحتويه من خامات مختلفة وبيعها للتجار.
تلك هي حال الأشقاء ممدوح عبد النبي، 15 عاما، وعبده، 12 عاما، ومحمد، 10 أعوام، الذين جلسوا وسط أكوام من المخلفات بمنتصف الطريق العام بمنطقة فيصل، في الجيزة، ليتناولوا وجبة الغداء المتمثلة في قطعة من الجبن وأرغفة الخبز.
ويروي ممدوح يومهم الشاق: "نخرج منذ الصباح الباكر بحثاً عن أكوام القمامة فنقلبها من أعلى لأسفل ويميناً وشمالاً لاستخراج ما بها من خامات مختلفة منها النحاس والورق والبلاستيك، وعندما نجدها بكميات كبيرة نشعر بأننا عثرنا على كنز، ونترك المواد العضوية مثل بقايا الطعام".
ويقطع شقيقه عبده حديثه، وبيده سيجارته، قائلا: "أوعى حد يفتكر إن دي شغلانة سهلة إحنا بنتعب كتير .. ممكن نقعد يومين متواصلين بنتنقل بين أكوام الزبالة علشان أكل عيشنا، ولازم تكون أعيننا مفتحة علشان البلطجية واللصوص اللي ممكن يسرقوا اللي طلعناه من الزبالة".
لم يلتحق عبده بالتعليم، وترك عمله في صالون للحلاقة بعد سوء معاملة صاحب المحل له، متجهاً إلى "النبش" الذي بالكاد يؤمن لقمة العيش فهو يبيع الكيلو جرام الواحد متضمناً كافة الخامات للتاجر بمنطقة فيصل بسعر 50 قرشا.
أما صغيرهم محمد فيشير بإصبعه إلى شقيقيه ويقول: "إخواتي الاتنين دول هما اللي بيصرفوا عليا وأنا بساعدهم بعد وفاة والدينا، بيتعبوا كتير علشاني".
قد يؤمن الأشقّاء بعض المال من خلال النبش لكنهم يعرضون حياتهم للخطر كما يفسّر حسام علام، الخبير في البيئة والتنمية الخضراء، إذ تحتوي بعض هذه المخلفات "على مواد ضارة، مثل العضوية منها ونفايات المستشفيات".
ويبين علام، المدير في مركز البيئة والتنمية للإقليم العربي وأوروبا "سيداري"، أن الحل الأمثل للقضاء على هذه الأزمة يكمن في إنشاء مصانع لإعادة التدوير يتم من خلالها تصنيع منتجات جديدة من الخامات التي تستخرج، مثل المعادن من الحديد والنحاس والألومنيوم، والورق، والكارتون، والبلاستيك.
وطالب الخبير في حديث لأصوات مصرية وزارة التنمية المحلية بتوفير الأراضي لإنشاء هذه المصانع المتوسطة والصغيرة، وإسناد هذه الصناعة لشركات خاصة لتشجيع المستثمرين على الاقبال على هذا المجال كما حصل في محافظتي الاسكندرية وقنا.
وكان وزير التنمية المحلية الحالي اللواء عادل لبيب نجح في حل أزمة جمع المخلفات الصلبة عندما كان محافظ قنا بتجربة متميزة تعتمد على وضع خرائط لكل منطقة، وتجميع المخلفات المنزلية من المنبع.
وفي الإسكندرية استطاع اللواء محمد عبد السلام المحجوب المحافظ الأسبق أن يحل هذه القضية في المحافظة بإسناد مهمامها لشركات شبابية خاصة، لكنه عجز عن القضاء عليها عندما تولى مهام وزارة التنمية المحلية.
وأكد علام أن الطن الواحد من المخلفات يوفر 7 فرص عمل للشباب، بداية من "النباشين" وهي المرحلة الأولى لجمع المخلفات وفرزها وعزل الخامات التي تحتويها عن بعضها، حتى خروجها من ماكينات المصانع في شكل منتج يعاد استخدامه.
ويرى أن المواد غير القابلة لإعادة التدوير يمكن حرقها واستخدامها كطاقة بديلة عن المازوت والغاز لتشغيل المصانع كما هو متبع في بعض مصانع الأسمنت .
وعن طريقة التخلص من المخلفات بدفنها قال علام: "دفن المخلفات عبارة عن دفن ذهب وثروة يمكن استغلالها مرة أخرى بإعادة التدوير أما العضوية منها فيمكن استغلالها بتصنيع السماد واستغلاله في الزراعة".
لكن اللوم لا يقع كلياً على الحكومة بل على المواطن أيضاً حسب ليلى اسكندر، وزيرة البيئة: "لا يمكن إحداث مردود إيجابي إلا عندما يقتنع المواطن بعدم رمي القمامة في الشارع". ولفتت الوزيرة في تصريحات صحفية مؤخراً إلى ضرورة "دعم فكرة الفصل من المنبع من قبل الأفراد، وعلى الشركات الالتزام بالجمع المفصول والتوصيل العضوي للمحطات الرئيسية".
وكانت الحكومة اتجهت منذ عام 2003 إلى التعاقد مع شركات أجنبية (فرنسية وإيطالية وإسبانية) بالإضافة لشركات وطنية لجمع القمامة وكان العاملون فيها حينها مصريين، بينما الإدارة أجنبية فى غالبية تلك الشركات.
وأكدت وزيرة البيئة أن الحكومة تدرس الإجراءات القانونية لإنهاء التعاقد مع الشركات الأجنبية في القاهرة والجيزة لعدم كفاءة خدمتها.
ولفتت الى أن محافظ الجيزة اقترب من إنهاء التعاقد مع الشركة الإيطالية، وليس فسخ التعاقد، فيما يدرس محافظ القاهرة إجراءات الإنهاء تجنباً للجوء تلك الشركات للتحكيم الدولى، والذي وقف حائلاً دون تمكن حكومات ما بعد الثورة من تصحيح الأوضاع.
وكشفت الوزيرة عن سعي الوزارة لعرض تشريع على مجلس الوزراء يقضي بإنشاء جهاز لإدارة الاستثمار في المخلفات الصلبة.
وحسب جلال السعيد، محافظ القاهرة، فإن محافظته تنتج 15 ألف طن قمامة يوميا أي 33% من حجم المخلفات في أنحاء الجمهورية.
وكشف تقرير سابق لوزارة البيئة أن إجمالي المخلفات الصلبة في مصر يبلغ 75 مليون طن سنويا، بواقع 55 ألف طن يومياً. وقال التقرير: "إن الأسباب التي أدت إلى ظهور مشكلة المخلفات البلدية الصلبة هي عدم إدارة المنظومة بشكل متكامل، وعدم توافر مدافن صحية آمنة للمخلفات، وقصور النظم المؤسسية والإدارية وأساليب إحكام عمليات الرصد والمراقبة، ونقص الموارد المالية لتحقيق الخدمة المطلوبة، وسلوكيات المواطنين في التعامل الصحيح مع المخلفات".
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا