كتبت - دعاء الفولي:
كانت الأعناق مشرأبة، أنباء تتوارد عن قدوم أنصار الرئيس المخلوع ''محمد حسني مبارك'' من ماسبيرو، الميدان انغلق على نفسه بدبابات الجيش التي أحاطته من عدة جوانب، المعتصمون تحركوا تجاه البوابات بالقرب من المتحف المصري، بعدما تراجع عددهم نتيجة انصراف بعضهم صبيحة يوم الخطاب الثاني لمُبارك الذي وصفه البعض بالعاطفي، أثناء ذلك كان ثمة عشرات لا يعنيها هذا، انكمشت بموقعها داخل مقرات العمل، ومنعتها أحداث موقعة الجمل التي جرت في الثاني من فبراير لعام 2011 من الخروج.
''عامر سعيد'' كان يتحرك بأرجاء الميدان، بالقرب من فندق امتلكه، يستنشق أحاديث الناس قبيل وقت الظهر، القادمون يُقنعون الذين قضوا ليلتهم بالرحيل عن الميدان لحين تنفيذ الوعود الرئاسية التي وُعدوا بها، كانت المرة الأولى ل''سعيد'' على أرض التحرير ''وقتها كانت الناس بتتفاهم مع بعضها بشكل هادي'' حتى بدأت حمى الجري ''لقيت طوب بيترمي من جوة الميدان'' لم ينتظر الرجل الثلاثيني أكثر من ذلك ''دخلت الفندق وفضلت جوة'' وأدخل معه عدة فتيات احتموا به.
بدأت الأحداث تتوالي، دخول الجمال والأحصنة ثم الالتحام بين الثوار ومن جاءوا مؤيدين لبقاء مبارك.
''الدنيا كانت بتولع تحت''، كان ''سعيد'' يتسمع لما يحدث في الميدان، يطل من الشُرفة ليعرف ثم يعود سريعًا ''الواحد كان بيخاف يقف كتير عشان ضرب النار''، أكثر من خمسة عشر ساعة قضاها ''سعيد'' داخل الفندق خائفًا من الخروج أو محاولة العودة للمنزل بالمنوفية، لم تكن مُشكلة مالك الفندق مع ''مبارك'' كبيرة ''انا كنت عارف إن فيه فساد بس كان فيه أمان في عهد مبارك''، رغم ذلك فقد تعاطف مع آل الميدان بعد انتهاء مجريات الموقعة ''نزلت تاني يوم عشان أروّح كانت حالتهم صعبة'' يذكر أحد المعتصمين الذي شكى له ما حدث معهم في الميدان بينما يبدو على وجهه الإرهاق.
بين النظر من شرفة الدور الثاني ومشاهدة التليفزيون ''أهلي كانوا كل شوية يكلموني''، لم يرد إلا بكلمات ''كله كويس متقلقوش عليا'' بينما تبكيه خطيبته على الجهة الأخرى من الهاتف، مشاهدات أخرى لا ينساها بتلك الليلة ''صاحبي اللي يكلمني يقولي عمارتكوا بيترمي منها نار''، علم جيدًا أن ذلك غير صحيح، فالعمارة الموجودة بجانبهم هي المقصودة محاولًا طمأنته كذبًا في حين اعتراه الخوف ''كنت طول الليل بسمع وبشوف الناس بتخبط بالحديد على أسوار الميدان عشان تخوف البلطجية''، بعد انتهاء الساعات العصيبة عاد إلى المنوفية ''فضلت قاعد هناك لحد ما الثورة خلصت ومبارك مشي''، بعد انتهاءها بأشهر قليلة انتهت ملكيته للفندق الذي شاهد منه الأحداث ''نسبة السياحة تراجعت جدًا والفندق خسر فبعته لصاحب العمارة''.
كان الحانوت الذي يمتلكه والد ''عصام حمزة'' هو ملاذ الابن وقت الثورة، لم يراها مُثمرة على المستوى العملي من حيث نقص الأمان فيما بعد ''انا شايف إن اللي في الثورة مش كلهم بيحبوا البلد انا كنت موجود وبشوفهم''، لم يختلف يوم موقعة الجمل عن باقي الأيام التي حدثت بها مناوشات بالنسبة للرجل الخمسيني ''كنت موجود يومها وشفت اللي حصل''، سمع هرج من مقر عمله المواجه للمتحف المصري ''خرجت وشفت الجمال وهي داخلة''، مر وقت قبل أن يُدرك ''حمزة'' حجم الأزمة ويصعد لسطح عمارة مجاورة له ويرى مشهد أو اثنين من فوقها.
''الجمال معملتش حاجة للناس دول كانوا داخلين يحتفلوا''، قال ''حمزة'' موضحًا أنه لم ير أسلحة معهم، يعتقد أن سبب المشكلة قيام بعض الثوار بتحريض المعتصمين على ضرب من ركبوا الأحصنة والجمال وعندما اشتد الأمر ''العيال بقت تجري في الشوارع من الميدان كنا بنخبيهم في البيت عندنا''.
بداخل أحد الفنادق الموجودة بشارع جانبي مُطل على المتحف المصري، كان موظفو فندق ''سيتي فيو'' يعملون كغيرهم، يأتي لهم أحد الصحفيين الأجانب لتأجير غرفة أو اثنتين، يتابعون الأحداث بشغف من التليفزيون كالبقية، حتى قرر ''سامح كريم'' وزميله الخروج عقب الخطاب الثاني لمبارك لاستطلاع الأحوال في الميدان ''الخطاب عمل انقسام بين الناس فيه ناس قالوا نسيبه يكمل وناس قالوا لأ''، مرت الليلة بسلام حتى جاء اليوم الثاني ''عرفنا من التليفزيون''، لم يجرؤ أحد على الخروج إلا المراقبة من شرفات الفندق.
الخوف ملأ نفوس العاملين ''كنا قاعدين في الفندق عشان كان لازم نأمن المكان''، منطقة إمبابة هي مسكن ''سامح'' الذي لم يبرح الفندق حتى انقضاء ساعات الكر والفر التي امتدت للسادسة صباح اليوم التالي ''محدش عارف حاجة لحد دلوقتي''، ذلك كان إحساس ''سامح'' رغم مرور ثلاث سنوات على حضوره الموقعة وإن كان على حافة أحداثها، متسائلًا عن ماهية المتسببين فيها.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا