كتبت- دعاء الفولي:
المسجد خلفهما، بساحته المُتسعة، المنطقة المُحيطة بجامع ''فاطمة الشربتلي'' كانت مثله تُعجب الناظرين، يجلسان على قارعة الطريق، يلعب الابن في ساحة المسجد الخارجية قليلًا، يراقبه الأب أحيانًا، لايراه جيدًا؛ عيناه تؤلمانه، يترك بضاعته التي يبيعها أمامه، كي تكون واضحة للعيان، مجموعة من ''شباشب'' منزلية.
في منطقة التجمع الخامس يعمل ''عبد المجيد عبد الحميد''، يساعده ابنه ذو العشر أعوام ''محمود''، يأتيان من بلدتهما سوهاج إسبوعيًا للعمل في القاهرة ''أنا بشتغل هنا من أربع سنين''، رغم ارتفاع مستوى المعيشة في المنطقة لم يفكر الرجل الخمسيني في تركها ''اتعودت عليها والناس عرفوني خلاص''.
لـ''عبدالمجيد'' من الأبناء ستة، ثلاث بنات وثلاثة أولاد ''بس هما صغيرين مش بيتشغلوا''، لم يخرج منهم للعمل إلا ''محمود'' الأكبر ''أنا بشتغل مع أبويا عالفرشة من وأنا عندي 4 سنين'' قال الابن بفخر، يذهب لمدرسته في سوهاج بموسم الدراسة وأحيانًا يتركها ليعمل ثم يعود للامتحان ثانية ''أنا في تانية ابتدائي لسه.. بس بضايق من المدرسة ساعات عشان العيال بيتعاركوا كتير''.
ينظر الأب للصغير ويبتسم ''عايزه يطلع حاجة كويسة''، يُحاول أن يعلم أبناءه الباقين، لكن الحالة الماديّة لا تسمح، خاصة مع وجود منزل بسوهاج عليه ديون ''البيت بتاعي محلتيش غيره.. عليه 8 آلاف جنيه للحكومة''، يدفع ''عبد المجيد'' 900 جنيه سنويا للدولة كحق انتفاع بالمنزل، مع تراكم الديون ومرور السنوات دون دفعه، ارتفعت حصيلة المبلغ لتصل إلى ثمانية آلاف جنيها.
''حاولت اقدم شكوى لمحافظ سوهاج عشان يخففوا عني'' يقول البائع الجائل، خاصة مع ضعف عينيه ''مبشوفش بيهم كويس وقلت للمحافظة إني مُعاق بس محصلش حاجة''، بالإضافة للبيع، يحصل الرجل السوهاجي على ثلاثمائة جنيه معاشًا من الحكومة ''اللي بيقولوا عليه معاش السادات''، يضغط على نفسه كي يجمع ولو القليل لأهل البيت، أما المنزل نفسه فله رب في السماء يحميه ''الفلوس مش مكفية أجيبلهم عيش حاف هدفع فلوس البيت إزاي؟''.
لم ينفصل ''عبد الحميد'' عن حال مصر يومًا، خاصة لقرْبه من مسكن الرئيس المعزول ''محمد مرسي''، ''كنت بشوفه ساعات بيدخل الجامع يصلي معانا.. لو هو غلط يتحاسب لو مغلطش يخرج''، لا يريد إلا الاستقرار ''والله عايز مصر تبقى أحسن بلد في الدنيا'' على حد قوله، لم يُشارك مؤخرًا في استفتاء الدستور، وماعدا ذلك لا يعبأ بمن سيحْكم البلد بعد ''مُرسي'' طالما سُتحل مشكلته.
''محمود'' لا يتمنّى شيئًا مختلفًا عن الوالد، أعيّته الأعباء كالكِبار ''نفسي في بيت جديد ولا حد يدفع الإيجار بدل ما نقعد كلنا في الشارع''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك...اضغط هنا