كتبت - يسرا سلامة:
لم يلتق كلا منهم فى أى حدث، ربما اجتمعوا في مكان ما بعد رحيلهم، لكن الدم بينهم رابطاً، بين ألم فراقهم كلٌ لأهله، تجمعهم أحزان اشتياق رؤيتهم، فـ''شيماء'' فتاة مرضت أمها بالسرطان حزناً عليها، و''جيكا'' لم يفارق والده الحزن لحظة، و''أحمد يوسف'' يشتاق إليه صديقه منذ أن صعدت روحه فى أحداث فض ميدان رابعة العدوية، وذاك ''هشام شتا'' الذى رحل برصاص الإرهاب فى الهجوم على قسم كرداسة.
كل بقي في معسكره، صورة وتاريخ استشهاد، رقم في أوراق مشرحة زينهم، وذكريات أليمة لكل فريق.. كلها كانت سبباً في الإلقاء بهم في خانة التصنيف، في مشهد مستمر تعايشه مصر منذ أن نزع فتيل الاستقطاب، فهذا شهيد الواجب وآخر شهيد الغدر وثالث شهيد الفض وأخير شهيد الحرية، لتختلف التصنيفات ويبقى الدم واحد.
شيماء حسين.. التهمة ''ثورجية''
رقم في عريضة شهداء ثورة يناير، تفارق الحياة وهى ابنة السادسة والعشرين ربيعاً، تحديداً فى الطريق من التحرير إلى الاتحادية يوم السادس من فبراير 2011، ليرى والدها ''فؤاد حسين'' دماء ابنته تتوه في غيابات السياسة.
صراع السياسة لم ينتج عن أى عدالة لابنته، فوالدها يرى أنه لم تحدث أي ثورة في القوانين أو القضاء، كي يعود حق ''شيماء''، ''أنا بسلم أمرى لربنا'' يعلق بها الوالد المكلوم على رحيل ابنته، علاوة على إصابة شقيقتها، مشيراً إلى أنه لا يتهم أى طرف بعينه في ضياع حق ابنته، فالثورة بالنسبة له تأمر عليها الجميع، من السلطة أو من اعتلوا أسطح عمارات التحرير، من أجل إشعال الموقف فى التحرير، بحسب رأيه.
يستنكر والد ''شيماء'' الوصف الذي ارتبط بابنته والثوار ''مخربين''، قائلا: ''جيل بنتي وزمايلها عنيد.. كان بيحلم ببلد أحسن فيها عدل وقانون، بعكس جيلنا''.
جيكا.. ابن الثانوية ''العميل''
لم تكن ''شيماء'' وحيدة على خط الدم، فلحقها ''جاير صلاح'' الشهير بـ''جيكا''، والذى ارتبط اسمه بشارع ''محمد محمود'' أو ''عيون الحرية''، بعد أن تظاهر به بجوار أصدقائه، فى محاولة منه أن يأتى بحق كل من ضاعت حقوقهم في الأحداث السابقة.
''الخيانة، العمالة، والمزايدة''.. تهم ذكرها والد ''جيكا'' فى التنكيل بفلذة كبده، يقول الرجل الخمسينى:'' كل من خرجت الثورة ضدهم رجعوا تاني للصورة.. وعاد الصراع مرة أخرى على السلطة من غير حساب للدم''.
''هعمل أيه؟.. بيتمسحوا في ابني'' قالها الرجل تعليقاً على من يصنف دم ابنه، أو يتاجر به ''أنا شفت الشرطة بترفع صورة ابني في الاتحادية.. والإخوان اللي سكتوا على حقه كمان رفعوا صورته بعد رحيل مرسي''، فيرى الرجل أن ابنه أصبح ''رمز'' ، حتى لمن خرج عليهم فى يوم من الأيام ''العصابة خرجت والثوار رجعوا السجن''، بحسب رأيه.
أحمد يوسف..التهمة ''إرهابى''
''حتى وإحنا بندفنه بعد الفض بأيام.. الناس وجهت له السُباب ومحاولات إيذاء أهله لم تتوقف''.. تعليق صديق عمر ''أحمد يوسف'' على ربط السياسة بالدم.
الملاحقات والتصنيفات التى تتبع ''يوسف'' سمعها صديقه بأذنيه بعد دفنه، وحتى بعد مرور وقت على رحيله، فـ''يوسف'' يٌتهم بالعمالة والخيانة ممن كرهوا موقفه السياسي، فيما يعتبر صديقه أن السبب الرئيسي في تلك الاتهامات بالتصنيف هي الحكومة؛ حين اعتبرت أن أهم إنجاز لها هو فض ميدانى رابعة العدوية والنهضة، ثم يشير إلى دور الإعلام المصري الذى يشحن كل الأطراف بأفكار مغلوطة، بحسب رايه.
هشام شتا.. ابن الشرطة الباحث عن حقه
''هشام محمد شتا''، 24 عاما، كان من بين مجموعة من إحدى عشر فرداً من رجال الأمن في قسم كرداسة، وقت أن دفعته كفاءة الرائد الشاب للانتقال من مركز ''أبو النمرس'' إلى ''كرداسة''، ليضعه القدر للتصدى إلى مجموعات إرهابية في ذلك الوقت تداهم القسم، لكنه بقي داخل عمله رغم نفاذ السلاح والعتاد، مدافعاً عن عمله وشرفه، بحسب ما يذكر والده ''جمال شتا''.
اتهامات وتصنيفات عديدة ممن تلاحق أبناء الشرطة لا تترك ''شتا''، فكما يقول والده إن الاتهامات الموجهة لرجال الشرطة بأنهم ''قتلة أو بلطجية تتعدى على المواطنين'' هي مجرد ترهات تلقيها جماعة الإخوان المسلمين وغيرها، من دون علم أنه لا مجال في مصر يخلو من الفاسدين أو المقصرين، وهذا لا يعنى التعميم على كل من يعمل بالشرطة.
''ابنى ده البسمة اللي كانت في البيت'' يقولها والد ''هشام'' بنبرة حزن على رحيل ابنه الوحيد، مشيراً إلى أن الراحل تلقى تعليم وتربية جيدين، مضيفا أنه لا يستحق في مقابلهما أي اتهام من أي طرف، قبل أن يتمنى عودة حق ابنه أولاً بمحاسبة المقصرين فى تأمين قسم كرداسة، ثم إلقاء القبض على باقى أعضاء القيادات الإرهابية التى هاجمت القسم، فيما يرجو أن تتحول دفة الإعلام للاهتمام بحق ابنه، حتى بعد أن خفتت الحادثة من ذاكرة الرأي العام، بحسب قوله.
الطب النفسي.. الحل في ''المصارحة''
''التصنيف والطائفية فكرة ليست جديدة على المجتمعات العربية'' يقول ''أحمد عبد الله'' أستاذ علم النفس، موضحًا أن تقسيم الضحايا بحسب أرائهم السياسية أمر ليس بجديد، فالتصنيفات مثل الأهلى والزمالك وغيرها في تاريخ المجتمع شيئاً موروثًا؛ ظناً من المجتمع أن ذلك سيسهل لهم الحكم على مجريات الأمور.
ويشير ''عبد الله'' أن التدقيق فى المعلومات والأحداث مفتقر في طبيعة المجتمع، لذا يحدث التصنيف، والذى يجعل الأصوات العليا هي التي تطغى، بالإضافة إلى المفاهيم المسبقة المتراكمة فى ذهن الناس، فكل فريق يجنح للتعصب والإنتصار لفريقه، الأمر الذى يزداد حدة وقت الأزمات.
ويقول الخبير النفسى أن ذروة الطائفية تظهر فى الموت، لأن الدم يشحذ كل فريق لمؤيديه، ليصدر خطاب سياسى وإعلامى في الأزمة لا يحلها بل يزيد من تعقيدها، مثل إننا ''شعب واحد'' وكلنا ''مسلمين ومسيحين''، على عكس ما يحتاجه المجتمع فى الكشف عن أسباب الانقسام والصراحة للوصول إلى حل للمشكلة.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا