كتبت- نوريهان سيف الدين:
شخصية غامضة، محتال ومقامر، مزور هارب، متهم في قضايا اختلاس ونصب، يتنقل من ميناء للأخر، ويسجل اسمه في قوائم الممنوعين من الدخول، إلا بات ''مفتاح الحل''، ومن خلاله تدخل ''الصقور'' إلى ''عش الدبابير''.
''رفعت علي سليمان الجمّال''، أو من اشتهر في أرجاء الوطن العربي بـ''رأفت الهجان''، ظل طيلة حياته مغمورا لا يعرفه أحد، حتى عندما أراد الدخول لسحر السينما، كان أيضا مغمورا لا تتعدى أدواره ''كومبارس'' راقص، إلا أنه بعد وفاته -في 30 يناير عام 1982- بست سنوات، تحول إلى ''أسطورة'' ينتظرها مشاهدو الدراما الرمضانية من المحيط إلى الخليج في عام 1988، وتكاد تخلوا الشوارع أثناء عرض المسلسل، فالكل منتظر ومتشوق، ماذا ستعرضه سطور كاتب الجاسوسية ''صالح مرسي'' هذه الليلة، وكيف سيتصرف ''ديفيد شارل سمحون؟''.
بدايته في ''دمياط'' لأب ''تاجر فحم''، وأم ''رتيبة علي أبو عوض'' تتقن الإنجليزية والفرنسية، ثلاثة أخوة ''لبيب ورفعت ونزيهة''، وأخ أكبر غير شقيق ''سامي''، تولى مسئولية الأسرة بعد رحيل الأب، وجاء بهم إلى ''هليوبوليس'' للعمل كمدرس لغة إنجليزية، إلا أن تلك الأسرة كان أكبر همها هو ''رفعت'' المشاغب المستهتر، لذا قرروا إدخاله إلى ''مدرسة التجارة المتوسطة''، وهناك يبدأ الفتي ذو الـ15 عاما في مخالطة ''الإنجليز'' المنتشرين بالحي، ويتقن لكنتهم أكثر، وبدأ يتصرف كأنه أحد ''الخواجات'' بالمدرسة.
رحلة مدرسية صغيرة إلى ''ستوديو مصر''، نقلت حياة ''رفعت الجمال''، تسلل فيها إلى حجرة أحد أبطال الفيلم المصور هناك، ليفاجأ بأنها تخص ''بشارة واكيم''، فيقف أمامه محاولا إقناعه بأنه ممثل جيد، ويبدأ في تقليد ''واكيم'' بالفعل، إلا أن الممثل الكبير المعجب بالفتى ''المقلد الجيد'' ينصحه بالانتباه لدراسته أولا، فينصرف ''رفعت'' ولا ينسى وعد ''بشارة'' له بإعطائه فرصة للتمثيل بأحد أفلامه القادمة.
يبدأ ''رفعت'' بالعمل في شركة بترول، ويجد نفسه منفيا في ''رأس غارب''، لا تستطيع شخصيته -المستهترة- المواظبة على انضباط العمل، فيرفت من وظيفته، وينتقل للإسكندرية، وهناك يخالط يونانيين ويهود وفرنساويين، ويتقن اللكنة الفرنسية كأهلها، ويعمل على مركب شحن، ليغادر البلاد لأول مرة إلى ''نابولي ومارسيليا''.
جوازات سفر مزورة باسم ''على مصطفى، اليهودي السويسري شارلز دينون، العسكري الإنجليزي دانيال كالدوين''، استخدمها ''الجمّال'' للفرار من الملاحقة الأمنية، بعد تورطه في ''مقامرات فاشلة''، إلا أن أمره يكتشف ويعود مرحلا إلى مصر، ويمنع من دخول بعض الموانئ بعد النصب على البحارة والمسافرين، وأثناء عرضه على النيابة في مصر، تبدأ ''عملية الوتد''.
يلفت نظر أحد الضباط العاملين بالمخابرات، ويرى فيه ''أونطجي محتال'' قادر على خداع الآخرين وعدم اكتشاف شخصيته، وهي مواصفات جيدة لـ''عميل مخابراتي'' تتم زراعته في ''اسرائيل''، وفي 1965؛ تبدأ رحلة ''رأفت الهجان- الاسم الحركي'' التي استمرت 17 عاما داخل تل أبيب، حاملا كود ''العميل 313''.
''جاك بيتون'' أو من عرف داخل المسلسل بـ''ديفيد شارل سمحون'' استطاع الانخراط في المجتمع الاسرائيلي بعد فترة تدريب هنا في مصر ومخالطة الرعاية اليهود بالإسكندرية، والعمل بشركة مملوكة لثري يهودي، يستطيع ''الهجان'' بعدها السفر وفتح شركة سياحية تبدأ صغيرة وتكبر شيئا فشيئا، حتى يكون أحد رجال المجتمع بتل أبيب، وصديقا مقربا لـ''موشي ديان، عزرا فايسمان، وجولدا مائير''، ويكاد أن يترشح لعضوية ''الكنيسيت'' عن حزب مباي.
زواج بدايته ''صفقة تجارية'' مع ثرية ألمانية تدعى ''فراو فالتراوت'' تعمل في مجال الطيران، ينتقل معها للإقامة بـفرانكفورت، وذلك في نهاية مهمته عام 1973 بعد نهاية الحرب، وتقديمه ''خريطة لفتحات النابالم'' عند قناة السويس، وفي فرانكفورت يدمج عمله وعمل زوجته، باقيا على اتصال مع المجتمع الإسرائيلي، ولا ينكشف أمره إلا بعد وفاته ودفنه بـ''ألمانيا'' –بناءً على وصيته.
مذكرات شخصية ووصية ختمها بـ'' الله أكبر والعزة لمصر''، كشف فيها ''رفعت علي سليمان الجمال'' جنسيته المصرية وديانته بالإسلام، وصفته كعميل للمخابرات المصرية طوال تلك السنوات، ويوصي بتوزيع ثروته بين الورثة الشرعيين، وأن يخصص جزئا منها لـ''ملاجئ الأيتام''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك...اضغط هنا