كتبت- رنا الجميعي:
''الصورة بألف كلمة'' عبارة يرددها معظم الإعلاميين، لكنهم لم يعوا بأنها تساوي أيضا ''حياة''؛ لخطورة عمل المصور الصحفي، ورؤيته للحدث بشكل مغاير عاشه قبل أن ينقله، كانت الثورة عملا مختلفا.. عين تدرك زاوية الحدث، وكاميرا مصوبة تجاهها، وإصبع تضغط زر الالتقاط، هذا ما يظهر لعين الرائي ما تكون عليه عملية التصوير، لكن للأمر أبعاد أخرى، اتفقوا جميعهم على أن ما كانت عليه أيام الثورة الأولى مختلفة عما خبروه سالفًا، و أن أحداث ما بعد الثمانية عشر يوما تتفوق عليها في العنف والغرابة..
أحمد جمعة ... سلامة المصور أولًا
بدأ الأمر بدعوة إلى حشد يوم 25 يناير، هذا ما سمع به ''أحمد جمعة''، المصور بجريدة الدستور، ولكنه لم يتوقع تلك الجموع التي احتشدت بميدان التحرير ''أكتر مظاهرة كانت كبيرة قبل الثورة، لحركة لكفاية، حوالي ألف واحد''، لم يسبق للمصور أن شاهد ميدان يمتلأ به المتظاهرين بهذا الشكل ''الميدان وهو مليان كان شكل جديد''.
لم يكن ببال أحد أن الأمر يحتاج أكثر من كاميرا ليلتقط بها الصور، ولكن مع ازدياد العنف تجاه المتظاهرين، أصبح قناع الغاز ضرورة ''مكنتش الثقافة دي لسه موجودة يوم 25''، عاصر المصور الصحفي أحداث السويس وجنازة أول شهيد في الثورة المصرية ''الأمور كانت بتجري بسرعة، وكأني عايش فيلم''.
حاول ''أحمد'' الصعود إلى ''سطح'' عمارة لالتقاط صور للميدان من أعلى، ولكن رفض قاطني العمارات صعوده، حتى استطاع الصعود إلى العمارة الوحيدة التي وافقت على صعود المصورين فوق ''سطحها'': ''يمكن عشان مفيش فيها سكان، معظمها شركات''، ينتصف موقع البناية في الميدان، ليشهد على معظم أطرافه ''بدأت الناس تستغل الموقف مادياً، والمصورين الأجانب بيدفعوا حوالي 100 دولار، و المصريين 50 أو 100 جنيه حسب طول المدة اللي هيكونها فوق''.
يتشكك فيه من حوله ويتجاذبوا منه كاميرته، مشهد معتاد لمعظم المصورين، وهو ما جرى لـ''جمعة'' في السويس ''كنت بصور مشهد اقتحام قسم الأربعين يوم جمعة الغضب، وبدأوا يشدوا الكاميرا منى، لما عرفوا اني صحفي، بعدوني عن المكان، مكملتش تصوير''.
انتظر الشاب الثلاثيني كباقي المتظاهرين خطابات الرئيس الأسبق، وعلى أمل أن يتنحى، ولكن جاءت خطاباته مخيبة للآمال ''وشوش الناس وقتها لا تنسى''، يقول المصور عما امتحنه من ''ذبذبة المشاعر'' يوم موقعة الجمل بانتقاله من ميدان مصطفى محمود لتوثيق مظاهرات ''أبناء مبارك'' إلى ميدان التحرير ''كأني كنت في حتة باردة وروحت لمنطقة سخنة''، بحيرة يتحدث ''جمعة'' عن ذلك اليوم بالميدان ''مكنتش عارف أقف مع أنهي طرف عشان اعرف أصور، مع الشرطة ولا مع المتظاهرين، الشرطة كانت رافضة المصورين، والطرف التاني بردو رافض، وقفت على كوبري أكتوبر لقيت واحد بلطجي بيكسر الموبايلات اللي بتصور، اومال لو كنت طلعت الكاميرا وقتها كان عمل أيه''.
يوم تنحي مُبارك، ذهب ''جمعة'' إلى القصر الجمهوري في حين تخوّف كثير من المصورين الذهاب إليه ''كانت مغامرة، لقيت عدد المتظاهرين كبير، الجيش تعامل معانا بشكل كويس، واطمنت لما لقيت كاميرات تليفزيون بتصور'' وأتبع حديثه ''لما يبقى فيه مصورين مع بعض بيبقى الوضع مطمئن شوية''.
''كأن العدد تضاعف'' رأى ''أحمد'' شرائح مختلفة من الشعب نزلت يوم الثلاثين من يونيو ''في ثورة يناير كانت فئة معينة بس اللي نزلت انما في ثورة 30 يونيو العدد كان أكبر وكمان نوعية الناس اللي نزلت''.
لم يكن المُصوّر مجرد آلة تقوم بأداء مهمتها فحسب، ولكن أحيانًا ما تمر بعض اللحظات التي يود فيها ''أحمد'' أن يترك أداته لينفعل عما يحدث من حوله، كان هذا في فض اعتصام ميدان رابعة ''لما دخلت مسجد الإيمان ولقيت حواليا جثث كتير مقدرتش استوعب الموقف، أكثر من 300 جثة مشهد يهز اي إنسان ولكن بعدها كملت شغل''.
الكاميرا هي الأداة الرئيسية في يد المُصوّر، ولكن في أيام الاشتباكات يحتاج لما هو أكثر من ذلك ''كنا بناخد كورسات للسلامة المهنية، أول حاجة اتعلمتها إن سلامة المصور أهم حاجة''، و لكي لا يكون المُصور الصحفي قنصًا سهلًا عليه ألا يرتدي الألوان الصاخبة، وأن يكون حذائه مريحًا ويستطيع الجري به بسهولة.
محمد عبد الغني.. مصور جميع الأطراف
لم يبعد محمد عبد الغني، المصور بوكالة رويترز، عن تلك الصورة، لم يناله خطر أقل مما تعرض له زملائه، شهد أحداثُا عنيفة وأوقاتًا مُبهجة ولحظات قرر فيها أن يبتعد عن الكاميرا ولو قليلًا.
''لما بدأت الاشتباكات تشتد بين المتظاهرين والأمن، كنا بنطلع نصور من فوق، عشان ميحتكش بينا أي من الطرفين''، اشتبك ''محمد'' سابقًا مع أهالي أحد العمارات التي اعتلى سطحها ''الناس كانوا خايفين، وكانوا عاوزين ينزلونا''، أما البعض فاستغل الموقف ''في الأول كانوا بيوافقوا من غير شروط، بعد كده الحكاية بقت بيزنس''.
انقلبت الآية، متظاهرون يركضوا خلف ضباط أمن فيما كانوا ينزعون ثيابهم الميري، كان المشهد مختلفًا وجديدًا بالنسبة لـ''عبد الغني''، هاله ما رأى ''أنا وقفت اتفرج شوية وبعدها كملت تصوير''.. في موقعة الجمل، شهد المصور الثلاثيني الاشتباكات عند ميدان عبد المنعم رياض ''طلعت الكوبري وبدأت اصور الاشتباكات، وبعدها روحت اصور عند فندق سميراميس''.
ثلاث مدرعات وعدد قليل من الجيش يؤمن مبنى ماسبيرو في اليوم المعروف بـ''أحداث ماسبيرو''، وقد قرر ''عبد الغني'' أن ينبطح أرضًا ليقوم بالتصوير فيما كانت أولى المدرعات تتحرك ليقف أمامها متظاهرين لم يهابوها، وقرر قائدها التوقف، في حين قرر قادة المدرعتين المتبقتين أن يديروا المدرعة ولا يلقوا بالًا بمن يقف أمامها وان مات دهسًا تحتها، هنا كان ''عبد الغني'' يقوم بمهمته أرضًا بجوار تلك المدرعات ''دا كان أكتر وقت اتعرضت فيه للخطر''.
''لم أنحاز'' كررها مرتين بعد تفكير ليثبت أن الحيادية كانت مبدؤه دومًا ''كنت بنزل اصور مؤيدي مبارك وقت المحاكمات، زي ما كنت بنزل اصور الثوار، زي ما كنت بصور الإخوان''، وفي الأوقات التي يلتبس عليه الموقف يقرر ألا يقوم بالتصوير ''أوقات مكنتش اعرف مين مع مين، ولا الضرب كان جاي منين، وقتها كنت بوقف تصوير''.
و عما مرّ به عن أكثر الأوقات انفعالًا بالحدث، كانت اشتباكات رمسيس عقب فض اعتصام رابعة ''جه واحد واخد رصاصتين في رجله، يقولي صورني انا وصاحبي، انا اتأثرت وقتها واستغربت، هوكان مستوعب الموقف اللي هو فيه؟، انا صورته من غير ما اقوله كلمة''.
أحمد رمضان ... ''زاوية التصوير مهمة''
في الإسكندرية، لم يكن الأمر ليختلف كثيرًا بالنسبة ''أحمد رمضان''، المصور بموقع اليوم السابع، ''مكناش عارفين احنا رايحيين فين، وفجأة عرفنا ان الناس رايحة على العصافرة''، كانت المرة الأولى للمصور يرى بها حشودًا ضخمة ''قبل الثورة كنا بنصور مظاهرة فيها خمسين واحد''.
صورة كبيرة لمبارك تكالب عليها الناس ليقطعوها، هذا ما التقطته عين ''أحمد'' واستطاع توثيقها في صورة تناقلتها الصحف، وكانت اللحظة التي شهدها المصور بتغير الهتاف من سقوط الداخلية إلى سقوط نظام بأكلمه.
لم يستطع ''رمضان'' إلا أن يترك الكاميرا أحيانًا ويهتف مع الجموع ''الداخلية مقدرتش تتعامل مع الناس وانهزمت.. دي ثورة شعب''، في ذلك اليوم استطاع أن يصعد إلى سقف ترام بجوار المنطقة الشمالية ليلتقط من أعلى صور المتظاهرين ''مكنش لسه فيه فكرة اننا نطلع عمارة''.
شهد ''رمضان'' انهيار مبنى محافظة الاسكندرية ''كانت أول مرة اطلع عمارة، طلعت الدور السادس وبدأت اصور، صورت واحد لقى علم مصر كان هيتحرق ولحقه''، يحكي المصور العشريني عن معاملة سكان البنايات لهم ''مكنش فيه حد بيضايقنا، بالعكس الناس رحبت بينا ومكنش فيه استغلال منهم''.
اجتمع عدد من المتظاهرين حول تمثال الإسكندر الأكبر، وبدأوا في تسلق التمثال ''لقيت المشهد دا لازم يتصور و الدخان طالع من جمبهم لحظة انهيار قسم شرطة باب شرقي'' وتناقلت تلك الصورة بعض القنوات ووكالات الأنباء العالمية، ولأن وسائل الاتصال والانترنت كانت مقطوعة في تلك الأوقات ''كنت لازم أسافر عشان اودي الصور، والوكالات كانت تاخدها تاني يوم وتحط عليها تاريخ امبارح''.
لم يشهد ''أحمد'' موقعة الجمل، يفسّر المصور سبب عدم نزوله ''كنت يومها في القاهرة، بس انا معرفش أبعاد المنطقة، فقررت منزلش، وفضلت اتابع من بعيد''.
في يوم التنحي، أمام قصر التين، احتشد المتظاهرين لاستجاباتهم دعوة الاحتشاد أمام القصور الرئاسية ''الأعداد كانت رهيبة اليوم ده، بدأت الاهالي تنزل بكثافة مكنتش موجودة قبل كده''، اعتلى ''أحمد'' ''سطح'' مدرسة، قال واصفًا المشهد ''مكنش فيه هتافات منظمة، كان كل مجموعة صغيرة تهتف مع نفسها، أسرة مثلًا بتهتف و بتعلم أولادها الهتافات، ووقت الخطاب لما طلع عمر سليمان، بدأت الناس تزغرد، وألعاب نارية ملت السما''.
ولأن هناك أوقاتًا يغفل فيها المصوّر هدفه الأساسي والحيادية التي تعلمها ''في الآخر أنا بشر وليا رأي'' يكمل ''رمضان'': ''بنصح نفسي دايمًا انه طالما معايا كاميرا لازم ابعد عن رأيي الخاص، ولما أحس انه مش قادر اكون حيادي، ببعد الكاميرا''، هذا ما حدث للمصور العشريني في واقعة فض اعتصام رابعة ''لما دخلت المستشفى الميداني، وقفت الكاميرا و بدأت أساعد المصابين''، وهناك أوقاتًا يتعرض فيها المصور لخطر بالغ ''يوم الفض بردو، حاولت أصور من على أطراف الميدان، لقيت قناصة فوق مبنى المخابرات الحربية، كان سهل يجيبوني، مصورتش ونزلت، أأمن مكان هو نص الميدان''.
لم يقابل ''أحمد'' أحداثًا ينفعل بها إلا بعد أحداث الثورة ''ثورتنا مشفتش دم كتير''، أما بعد الثورة ''فيه أوقات كنت ببقى فيها عاوز أهرب من مسكة الكاميرا، يوم فض اعتصام رابعة، قررت أكتب فيه على دراعي بياناتي، شفت كتير جثث مكتوب عليها مجهول''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا