كتبت- إشراق أحمد:
إبريل 2013، ما أشبه الموقف وإن اختلف في نظر "مروان".. وقفت واثقة بين الحضور، تصغره بالعمر قرابة ستة أعوام، ألقت كلمات سطرها عقل ابنة الصف الخامس الإبتدائي، ونطق بها لسانها بين حضور ضم وزير التربية والتعليم العالي "إبراهيم غنيم" أثناء افتتاح الأكاديمية المهنية للمعلمين بالغردقة.
أخذت تلوح "حبيبة يحي جوهر" بيدها تعبيرًا عن القصيدة التي ألقتها بعنوان "الأستاذ والخروف"، حملت إسقاطًا على حكومة "الإخوان" حينذاك، والتقطها الإعلام مانحة لها لقب أجرأ طفلة مثلما حمل ابنة السادسة عشر ذلك اللقب على "فيسبوك" و"تويتر" التي شهدت تداول الفيديو الخاص به.
"لأن الخط الميري أزرق، والقلم في الفصل أزرق ولما قال مقلوب وطافح ركبوه البوكس أزرق، ولبسوه في السجن أزرق.. واللي قال حرام رموه في مكان ميعرفوش الجن الأزرق، يبقى ليه الأحمر والأبيض لما هي لونها أزرق" كلمات ألقاها "مروان طارق" على خشبة مسرح مركز الحرية والإبداع في الإسكندرية لقصيدة بعنوان "أزرق" للشاعر "ميدو زهير" ، كانت لتمر دقائق مكوثه على المسرح بحصوله على شهادة تقدير ووردة وصورة للفريق أول "عبد الفتاح السيسي"، لولا أن لحقها بكلمات "مصر مش هتبقى أم الدنيا ولا قد الدنيا إلا بمحاكمة كل فاسد، عسكر، فلول، إخوان".
تحولت ساحة المسرح الشاهد حفل ختام مسابقة جماعة الأدب العربي؛ من التصفيق بعد مطالبة "مروان" الحضور للوقوف دقيقة حداد على أرواح "الشهداء" الذين سقطوا منذ 25 يناير وما تلاها، وبعد تمزيقه للورقة التي ضمت كلمات القصيدة مع إلقائه كلماتها الأخيرة، إلى حالة سخط على ابن الصف الأول الثانوي، وتحولت كلمات مدح "محمد رطيل" رئيس لجنة التحكيم ومعلم ومُتبني موهبة الفتى منذ سن السادسة والذي لبى "مروان" دعوته لإلقاء الشعر، إلى كلمات ذم وتبرئ "أنا باعتذر لكل الناس إني جبتك بعد الكلمة اللي قلتها دي، مع السلامة يا مروان، أنا حزين إنك كُنت واحد من أبنائي وأبناء المكتبة".
دقائق استشعر ابن الإسكندرية أنه لابد من توثيقها بعد دعوة "رطيل" له لإلقاء الشعر بالحفل بعد انقطاع الاتصال بينهما منذ الذكرى الأولى لثورة يناير، حينما ألقى أبيات شعرية بالمكان ذاته، كلمات أردفها الفتى بسليقته "مركز الحرية والإبداع تاني"، لم يكن يعلم أن الرد عليها سيبعث في نفسه شك سرعان ما يتحول ليقين "المرة دي مختلفة شوية، ناس من قادة الدولة هتحضر، رؤساء جامعات وإعلاميين، ولواءات متقاعدين".
بادر ابن السادسة عشر بمهاتفة أصدقائه لمرافقته بالحفل لشعوره أن "الحفلة متوترة شوية"، وفي السادسة مساء يوم الأحد 12 يناير الماضي، حضر "مروان" ورفقته للمسرح الملاصق لقسم شرطة "العطارين" حسبما قال، بعد تفتيش أمني دخلوا، وجلب أحد الأصدقاء كاميرته الخاصة، تم توزيع الجوائز على الفائزين بالمسابقة، بين الفقرة والأخرى يتدخل "رطيل" بكلمات عن تأييد الدستور و"السيسي".
ظل "مروان" يتابع الحفل انتظارًا لدوره، بين حضور وجد بينه "ناس تدخل تقعد ويصقفوا وبس"، حتى جاءت فقرة زميلته "سلسبيل"، ألقت أبيات من أشعار أمل دنقل، صفق الحضور، منحتها اللجنة شهادة تقدير بصحبة وردة دون صورة "السيسي" على عكس الجميع، الأمر الذي اعتبره الفتى" أصلها كانت محجبة تقريبًا افتكروا إنها أخوان"، وبصعوده تأكد إحساسه بأن الأمر "مُسيس" برؤية عدد من صور "السيسي" جوار رئيس اللجنة، مما دفعه لقول كلمات ختام بعد الإلقاء.
"المشهدين مختلفين، في الوقت ده كان أي حد عايز يقول حاجة بيقولها، لكن الفترة اللي احنا فيها محدش عارف يتكلم وكله خايف، الحريات اتمنعت، بقى أي حد معرض وهو ماشي في الشارع إنه ياخد بالجزمة" هكذا علق "مروان" عضو حركة الاشتراكيين الثوريين على موقف "حبيبة" وموقفه.
لم يكن رد فعل الحضور غريب على "مروان" بل هو هين مقارنة بما تعرض له سابقًا في إحدى الوقفات بسيدي جابر بينما رفع لافتة منددًا بما يحدث قام "واحد سلفي ضربني بالقلم". التزم الفتى الصمت خاصة مع فارق السن الكبير بينه وهذا الرجل، لكن الألم الكامن بنفسه لما شاهده كان دافع لاستمرار الأمل في بنبذ الظلم والاضطهاد والوقوف ضد تيار فكرة "آكل وأشرب وأعيش وأجيب ولد، ولو وصلنا أننا نجيب ولد هيبقى ده الانجاز الوحيد"، التي يرسخها الإعلام حسبما يرى "مروان" .
كان "مروان" بالعاشرة من عمره حينما أبصر "يوسف"، الذي منحه التعامل معه مقام المعلم؛ على غير عادته من الدُلوف في أمن وتؤدة إلى المسجد كان الشاب مهرولًا خارجه ومن وراءه شخص آخر. تساءل "مروان" فآتته الإجابة "ده ظابط" ؛ حينها وفقط أُضيف لمعجم الصبي معنى جديد لملاحقة الأمن غير اللصوص. عرف "مروان" معنى الاعتقال.
"مهند إيهاب، فادي العريني، عبد الله عادل" أصدقاء في مثل عمره لم تغب صورتهم عن "مروان" منذ اعتقال الأول والثاني قبل شهر بتهمة قتل 12 ضابط واختطاف مدرعتين لـ"مهند" ، وانضمام لجماعة الإخوان الإرهابية لـ"فادي" رغم أنه عضو حركة 6 إبريل، بينما يواصل امتحاناته وهم "حرموا"، ومعهما كان "يوسف" الذي عاد للملاحقة لكن هذه المرة في "ميكروباص" حيث تم القبض عليه من قبل ضابط أمن دولة والتهمة المسجلة حرزها "مصحف" حسبما قال.
أما الثالث فصورة هى كل ما تبقى له بعد وفاته في أحداث رابعة العدوية، ولم يعد سوى المسجد ما يُذكر الفتى برفقاء خطواته نحو مكان، ألتمس فيه علمًا وأدبًا، ورفقة طيبة تشد عضده الذي وضعت عائلته الصغيرة لبنته الأولى، وشعر يهدى كلماته لهم لعلها "تصحي الناس" .
"في ناس كتير بتعمل كده بس مابيصوروش لأن معظمهم في السجون" قالها "مروان" معتبرًا أن الفيديو الذي انتشر له "هياخد وقته والناس هتنسى عادي" غير عابئ بمن يتهمه بأنه "أخوان" كما حدث في المسرح مع الرجل الذي نهره، والبعض الذي عرف أنهم كادوا يبلغوا الشرطة عنه قائلاً "اللي عايز يقول يقول اللي مش عايز يصدق وعايز يخون ويقول إني إخوان يقول بس في يوم هيعرف" .
ومع أمل يصر "مروان" الحالم بالالتحاق بكلية الإعلام ألا يودعه، يصاحب لسانه كلمات "حسبي الله ونعم الوكيل" ويقين بأن "إحنا جيل مش هيحضر مستقبله...والأمل الوحيد اللي مصرين عليه لا يمكن ينتهي إلا لو انتهي كل جيل التسعينات اللي في سني" .
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا