كتبت - نوريهان سيف الدين:
بجلسته المعتادة، واضعا قدم فوق الأخرى، كما تعود دائما أن يجلس مستمعا لما حوله، مجده أهل حيه القديم بتمثال ينبئ عن خلود ذكراه، لكن السياسة وضعت تاريخ الفن على الهامش؛ كي تتيح للافتات الدعاية الانتخابية ودعم خارطة الطريق متسعا وإن جار ذلك على مجد ''موسيقار الأجيال''..
فوجئ المارة بحي باب الشعرية منذ عدة أيام بتمثال ''محمد عبد الوهاب'' المقام بوسط ميدان بالحي الشعبي الشهير بسقوطه أثناء تعليق ''لافتات دعاية النزول للاستفتاء'' و''تأييد الفريق السيسي''، ولكن الأقدار كانت رحيمة بالمارة المزدحمين حول قاعدة التمثال، فلم تصيب أحد منهم.
مع قدوم المساء وتوافد رجال الحي على أحد المقاهي الشعبية على ''سور سيدي الشعراني الجواني'' أحد جوامع الحي الشهيرة، والتي عمل فيها ''عبد الوهاب'' صغيرا، تسمع حكاوي أهل الحي عن قصة وملابسات سقوط التمثال، فيبدأ أحدهم السؤال: ''هو حد كسره؟'' و يبادره الآخر: ''هما عملوا فيه زي تمثال أم كلثوم؟''، لكن ساعي المقهى المنشغل بتنزيل الطلبات لزبائنه يفهمهم القصة و يقول: ''الهوا رماه''.
على الناحية القبلية من الميدان والمؤدية لـ''العتبة والموسكي''، تجد مقرا صغيرا كان يوما تابعا لـ''أيمن نور'' المرشح السابق للرئاسة في زمن ''مبارك''، المقر المحترقة نوافذه وبعض جدرانه، المحاط بـ''ستاندات'' الباعة الجائلين، مختلطة أصوات نداءاتهم بـ''المهرجانات الشعبية'' و''كلاكسات'' السيارات و ضجيج المارة، تجد على مدخل هذا المقر ''الموسيقار''.
عبقري، لكنه ''متشائم''، محب للإبداع والفن والموسيقى، كاره -إلى حد ''الفوبيا''- للمرض والسفر والغياب، هادئ، نشأ وتربى بحي شعبي مفعم بالحركة والحياة، البداية كانت ''صبي منجد أفرنجي''، قبل أن يبلغ عنان الموسيقى، متناقضات اجتمعت في شخص ''عبد الوهاب'' لكنها لم تمنع الجميع يوما من الإجلال والوقوف أمام إبداعه، لكن بحور السياسة القته جانبا.
''محمد- الجارسون'' الساكن بمنطقة ''باب البحر'' قال إن الحي يشهد منذ فترة حملة مكثفة من كبار التجار وأصحاب الورش الكبيرة لتأييد الدستور، علاوة على دعم الفريق السيسي، و خلال تعليق ''الصنايعية'' للافتات الدعاية وربط حبالها حول ساحة التمثال وتثبيتها في أجزاء التمثال، تهاوى جسم التمثال بفعل اشتداد الريح، وسقط محدثا خدوش وتلفيات، إلا أن ''ربنا ستر و ماوقعش على حد''، نافيا تماما ان يكون أحد تعمد اسقاط التمثال أو إتلافه.
المسئول عن مقر ''مركز نور الثقافي'' قال إن التمثال صنعه البرلماني السابق ''أيمن نور'' و شهد تدشينه في الميدان وفدا ضم ''فاروق حسني- وزير الثقافة الأسبق'' و السفير الأردني بالقاهرة، و أبناء ''محمد عبد الوهاب''، و عدد كبير من أبناء الحي.. كانت وسائل إعلام عدة قد تناولت الأمر مشيرة إلى قرار من محافظ القاهرة بإعادة التمثال لوضعه السابق وهو ما لم يحدث حتى الآن.
وأضاف إن التمثال الساقط ليس إلا ''جص وقش وخيش''، إنما التمثال الأصلي كان مصنوع من ''البرونز'' ونحته فنان ايطالي، لكن حجمه الصغير حال دون تشييده بقلب الميدان الواسع، فتم نقله على مدخل المقر هنا، وصنع الفنان الإيطالي نفسه تمثالا آخر لعبد الوهاب بحجم كبير يناسب اتساع الميدان، و حتى يومنا هذا بقى اسم ''أيمن نور'' محفورا على قاعدة التمثال، على الرغم من رحيله عن الحي، و تولي السيدة ''جميلة اسماعيل'' مسئولية متابعة والانفاق على المركز الثقافي حتى الآن، حسب تعبيره.
لمعرفة ومتابعة نتائج الاستفتاء على الدستور ..اضغط هنا