كتبت- رنا الجميعي ودعاء الفولي:
في ساعات الاستفتاء الأخيرة وقبيل إعلان النتيجة كانت الخانة ''نعم'' ترجح كفة التعديلات الدستورية بجدارة، فيما كان هو سبيلنا لتحليل الأمر، يشارك المصريون تفاعلهم، وسيلتهم للوصول إلى اللجان، يطلع على أفكارهم وتوجهاتهم، يحلل يوميّ الاستفتاء من خلف مقعد القيادة الخاص بسيارته الميكروباص، وكأن مصر وأهلها قد اجتمعوا في سيارته التي لا تسع سوى 12 راكب فقط.
أمسك المفتاح، أدار المحرك، نظر في المرآه الأمامية وحرّكها قليلا بيده، ضغط على ذر تشغيل الراديو، يغيّر بين المحطات، ثم توقف أخيرا على إذاعة القرآن الكريم. يعلم جيدا أن يومين الاستفتاء لن يكونا يسيران، كذلك الساعات الأخيرة فيهما، أُناس كثيرون ركبوا معه من ميدان السيدة عائشة إلى منطقة الخليفة، والعكس، وهو يستمع لما يقولون، يشاركهم الأحاديث، ويهدئ من روع المتشاكسين أحيانا، كان كشباك يطل على تعليقات المواطنين في وقت الاستفتاء، بعضها انعكس عليه، والآخر لم يفعل.
ثمانية عشر عاما عمِل فيها ''عمرو إبراهيم'' على ميكروباص، قبل أن يتخرج في كلية التجارة، راقب أثناءها نبض الناس، وصادق مستويات اجتماعية كثيرة، ''الناس فرحانة''، كلمة لخّص بها ''إبراهيم'' ما رآه من حال المتجهين صوب اللجان، في السويعات الأخيرة، بعضهم سأله عن مكان المدارس ''بوصله لحد اللجنة بنفسي''، ويستعطفه آخرون للحركة أسرع ''امبارح كانت الساعة تسعة إلا ربع واحدة ست كبيرة قالتلي أبوس إيدك وديني اللجنة عايزة ألحق أصوت.. طلعت بيها لوحدها عشان تلحق''.
مهنة السائق هي الأنفع لـ''إبراهيم''، عمله كمحاسب صباحا في وزارة المالية، لم يُغنه عنها ''أنا لو الفلوس مكفياني مكنتش نزلت''، كما أن عمله في القيادة بدأ قبل العمل الحكومي، عيناه تلتقطان ''شقا'' الناس، يحب التعامل معهم بصدر رحب ''المصريين طيبين''، وذلك سبب كاف كي يصوّتوا على الدستور بنعم في وجهة نظره حتى وإن لم يقرأوه ''انا مقابلتش حد لحد دلوقتي قراه.. كله عشان الاستقرار''، يلتمس لهم العذر في ذلك ''إحنا في عهد مبارك كان عندنا جهل سياسي حتى المتعلمين.. عشان كدة اللي صوتوا راحوا عشان السيسي''.
العجائز من السيدات كن الشريحة الأكبر التي شاهدها الرجل الثلاثيني طيلة يومي التصويت ''واحدة ست من شوية عندها ييجي 100 سنة، دخلتها اللجنة بتاعتها، واستنيتها لما خرجت، فقالتلي أنا قلت أيوة للسيسي''، موقف يُلخص ما عايشه ''إبراهيم''، ''الناس نازلة عشان حسوا إن السيسي راجل''، ولم يختلف موقفه عنهم، حيث خرج والد الطفلين، محمد ومحمود، في تظاهرات 30 يونيو لإسقاط مرسي ''ونزلت في التفويض للجيش''.
رغم حبه للفريق ''عبد الفتاح السيسي''، ينفي عن نفسه اتهام الجهل ''انا بحب السيسي آه بس قريت الدستور.. فيه حاجات عجباني وفيه حاجات لأ''، قبل أن يفند ''دلوقت كل مؤسسة ليها اختصاصاتها، الشرطة والجيش كل مؤسسة منهم ليها اختصاصاتها''، متمنيا ألا يزيد عمر المترشح عن الأربعين ''عاوزين جيل يتعامل بعقلية مختلفة''. أما مما لا يستسيغه فيرى أنه يُمكن تغييره في المستقبل ''المهم البلد تمشي.. أنا حاسس إننا بنزحف''.
لم يثور ''عمرو'' ضد نظام مبارك وإنما ثار لأجله ''كنت رافض الثورة ونزلت يوم 28 يناير بعد خطاب مبارك، حي الخليفة نزل عشان ميمشيش''، حكى الرجل الثلاثيني عما اختبره في العهد السابق ''انا اتعلمت تعليم مجاني، ولما اتعينت مكنش فيه كوسة، اتعينت بمجهودي''، ورغم هذا ''انا كنت شايف مصاريف بتطلع كتير غلط من خلال شغلي بس أقل من اللي المصاريف اللي كانت أيام الإخوان''. الأمان شيء يفتقده السائق منذ وقت الرئيس المخلوع ''حسني مبارك''، ولازال حتى الآن ''اتثبت قبل كدة في البساتين، وولادي الاتنين مبينزلوش بعد 8 بليل من ساعة الثورة''.
مشادات تحدث كثيرا في صندوق إبراهيم الذي يتحرك به طوال اليوم، ما بين الإخوان ومن يخالفونهم ''الإخوان بيركبوا معايا وبنتناقش، بس بيقعدوا يقولوا السيسي باطل والناس بترد عليهم''، وعندما يحتد الموقف بين الرُكّاب ''كلنا عارفين بعض ولو حد بيشد الباقي بيصلح عشان منزعلش بعض''، أما إذا وصل النقاش لمرحلة الصوت العالي ''بنقلب الموضوع هزار وضحك عشان نهدي الدنيا''.
في الأيام العادية يعمل ''عمرو'' نحو 6 ساعات عقب عمله الحكومي، غير أنه قرر أن يزيد ساعات عمله لنحو 10 ساعات ''حبيت أساعد الناس واخليهم مبسوطين.. الكل كان عايز يشارك''. يحكي باستفاضة عن عهد الرئيس المعزول ''محمد مرسي'': ''احنا كنا بنرجع لورا مش لقدام''، من مظاهر ذلك أن ''مرسي كان بيقلل سلطات الجيش والشرطة والقضاء، والإخوان عرفوا يلعبوا علينا''. يضع الرجل أملا في الحكومة الحالية ''عاوزين نحس اننا بني آدمين، لو السيسي خيب أمل الناس البلد هتولع''.
لمعرفة ومتابعة نتائج الاستفتاء على الدستور..اضغط هنا