كتبت- دعاء الفولي:
وقف الثلاثة وسط ازدحام الناس يتضاحكون، ينادي أحدهم من الحين للآخر على بضاعته "يلا غزل البنات"، لا يلتفت أحد، الناس بطابور الاستفتاء منغمسون، في الأيام العادية تنتهي بضاعتهم سريعا ويعودون للمنزل، أما اليوم فلم يحدث، لازالت أكياس الحلوى بألونها الزاهية مرتكزة على ذلك العمود، بينما لم يجد الثلاثة أطفال عملا يُسلي وقتهم، سوى التعبير عن رأيهم بأريحية جلبت لهم متاعب.
"انا لقيت الطابور كله رافع علامة السيسي فقلت أرفع رابعة"، قال أكبرهم سنا "جابر"، لم يفعل ذلك إلا بسبب انصراف الناس عنه وبضاعته، "قلنا نلفت نظرهم"، و"عندًا فيهم برضو"، الشخصيات السياسية لا يعتني له، لكن له وجهة نظر "أنا بحب السيسي أكتر.. بحس إنه راجل لكن مرسي مش قوي"، قبل أن يقول "انا أعرف صحابي كانوا بيروحوا رابعة وكويسين". لا يستطيع أحد -على حد قول- "جابر" منعه من الإفصاح عن رأيه، طالما "واقف بأدبي".
جاء "جابر" ذو السبعة عشر عاما من المنيا ومعه صديقيه، "محمد"، و"أشرف"، الأول عمره 12 عام والثاني في الخامسة عشر، يعملون بالمهنة نفسها، ويقطنون بالحجرة ذاتها، القابعة بمنطقة "الكُنيسة". رغم صغر سنهم، إلا أنهم رأوا في الابتعاد عن القرية حرية، وحياة أوسع، حتى وإن حمل ذلك لهم جهد أكبر "إحنا في المنيا بنشتغل في الأرض.. الرزق هناك أكتر.. بس كل حاجة الواحد بيعملها بتتعرف".
يبدأ "جابر" وصديقيه العمل وقت الظهر، لينتهوا مع غروب الشمس، حين تنفد البضاعة، أما توافد المواطنين على لجان الاستفتاء بحي الهرم، فلم يرفع نسبة البيع "الناس مبتشتريش خالص النهاردة".
تخبط اتسم به الشاب، لا يعرف معنى كلمة دستور "أنا فاكرهم جايين يختاروا بين السيسي ومرسي"، وبعد إلمامه بمعنى الكلمة، يستطرد بعفوية "أنا سبت البطاقة في بيتنا، لو كانت معايا كنت دخلت صوَت زيهم"، غير عالم أنه لا يحق له التصويت بعد، بحكم السن.
حلم واحد بسيط راود "جابر"، لا يهمه إذا تحقق عبر الدستور أو الرئيس "عايز أكوّن نفسي واتجوز.. في البلد بيتجوزوا أصغر مني"، ولهذا قرر أن يجمع مالا قدر المستطاع ليبدأ الحياة.
كصاحبه كان "محمد" يرفع يده بعلامة رابعة للمارة، بينما يرفعونها بعلامة النصر، غير أنه لم يفعل ذلك عِندا "أنا بحب رابعة"، لم يذهب الصغير إلى هناك من قبل، في حين ذهب بعض أهل قريته "بصراحة مشوفتش من مرسي حاجة وحشة"، لا يعرف الصبي شيئا عن الدستور، رغم استطاعته القراءة وصديقيه الاثنين "أنا خرجت من خمسة ابتدائي عشان المدرس كان بيتخانق معايا فزهقت"، "جابر" قرر الخروج من الصف الأول الإعدادي للعمل، وكذلك فعل "أشرف".
تعليقات كثيرة سمعها "محمد" بعد رفع يده بعلامة رابعة "فيه واحد الصبح زعق معايا وشتمني.. قولتله أنا حر براحتي"، وهناك من حاول نصحه بطريقة بسيطة، لكنه لم يقتنع على كل حال.
دراجة هي حلم الصغير، يتكبد الشقاء لا لشيء إلا الحصول عليها "عايزة أجيب عجلة أم 1200 جنية"، رآها مع أحد زملاءه، وقرر أن يمتلكها يوما، وترك على إثر ذلك إخوته والأسرة "جمعت جزء من فلوسها بس الباقي لسه".
"أشرف" كان له موقف مغاير، "أنا تبع السيسي"، لم يدفعه اتجاهه لرفع أي علامة سواء "مع أو ضد"، فقط اكتفى بمشاهدة زميليه والضحك على تلقائيتهما، وموافقتهما أحيانا "إحنا عندنا في المنيا ناس من رابعة عادي". حاله مثلهما، لا يعي معنى الدستور أيضا ولا يهتم "الشغل أهم حاجة.. بشتغل عشان أجيب موتوسيكل وعلى فكرة أنا بعرف أسوق".
دلوقتي تقدر تعرف لجنتك الانتخابية من خلال مصراوي ...اضغطهنا