كتبت - إشراق أحمد:
وقف يخطب في المصليين، دوي إطلاق قذائف يعلو خارج المسجد؛ لم يأبَ وواصل بالدعاء والابتهال إلى ربه" يارب إنك تحب المحسنين أحسن الينا بنصر يارب المحسنين".
هرج ومرج؛ تختلط أصوات ترديد الشهادة والصياح "الله أكبر" مع مَن يستجد بالخروج؛ البعض يشرع بالفعل نحو الباب، بينما ظل الإمام على عهده لا يبرح المنبر مستكملًا الدعاء لإقامة الصلاة " اللهم سلمنا وسلم ديننا، اللهم شُل الأيدي التي تقصفنا..والحمد لله رب العالمين"، لم يكف عن مؤازرة مَن دب الخوف إلى قلبه بصوت به من سكينة الخطيب ويقين الإمام " وحدوا الله قولوا لا إله إلا الله" فيردد وراءه جمع المصليين، فيتابعهم بقول " لا نخاف إلا من الله ولن نركع إلا لله "، ثوان لحقهابقول " أقم الصلاة" فكانت آخر الكلمات.
هنا سوريا؛ حيث يخرج كل يوم من رحم معاناة أرضها صورة جديدة تُضيف لثنايا المشهد؛ إنها لحظات مقتل " صفوان مشارقة" إمام وخطيب مسجد العمري بحي الوعر في مدينة حمص.
كان المصلون في ثبات وسكينة يليقا بلحظات إقامة صلاة الجمعةاتخذ الإمام "مشارقة" مكانه على المنبر بينما يرفع المؤذنالأذان، مِن الجمع الجالس بدا عدم إباء أحد بالقصف المستمر وانتشار المدرعات فلا أحد يعلم بأي ثانية تطلق قذائفها، لكن لا شيء يمنع عن الصلاة رغم أن ذلك المسجد أكثر الأماكن المستهدفة - وفقًا لبيان الإئتلاف السوري المدين للحدث-، خلافأن الأمر أضحي معتاد منذ ثلاثة أعوام حيث انطلاق الثورة السورية في مارس 2011.
26 دقيقة شهدت آخر كلمات " المشارقة" بآخر جمعة له على المنبر في 20 ديسمبر الماضي، مذكرًا فيها بتقوى الله، داعيًا لعدم الانشغال بالرزق فعلى الله يكون، وجعل كلمات الرسول نصب الأعين " وإن نفسًا لن تموت حتى تستوفي رزقها وأجلها".
يتأثر فتذرف عيناه حينًا، وتنسدل كلماته بالدعاء، والابتهال وشحذ الهمم حينًا آخر" ندعو الله أن يجعلنا بهذا الابتلاء من الصابرين.. وندعو لإخواننا الذين منعهم الحصار أن يأتوا لصلاة الجمعة فهذه أكبر خسارة من الجوع وقلة الطعام، فنحن في نعمة".
"لا تقل لو أنه صّوَر لما أُطلق النار إنهم يقتلوننا بلا هوادة" قالها الإمام مطالبًا بنبذ فكرة وضع أعذار لقصف الجيش النظامي ضاربًا المثل بالاعتقاد أن تصوير الخطب التي تهدف لتوضيح أحوال المحاصرين في سوريا لا إلى الرياء أو عدم تواجد مجموعة من الشباب لحماية المكان هي السبب في إعطاء فرصة للقصف، على حد تعبيره.
ولم يكد ينتهي الخطيب من الدعاء الذي انخرط فيه مبتهلًا " يا حنان ..يا حنان" حتى ارتج المكان ومعه بعض نفوس المصليين بإحدى القذائف لتظهر أول إصابة؛ وثوان معدودة من دعوته بإقامة الصلاة، فإذا بقذيفة آخرى نحو المنبر، ليلفظ الشيخ " صفوان مشارقة" أنفاسه الأخيرة، قبل أن يؤم الجمع في صلاتهم التي زادت أخرى؛ لا ركوع ولا سجود لها بجنازة إمام مسجد العمري.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك...اضغط هنا