كتبت - فاطمة الديب:
سجلت كشوف المجندين رقمه 35676، انضم لزملاء في مثل عمره العشريني لتأدية الخدمة العسكرية برأس النقب وسط سيناء، حاملًا بين طيات نفسه معنى الشرف الذي علمته إياه أرض قرية ''الغنيمة'' مركز أبو كبير شرقية، محل ولادته في الثامن من نوفمبر 1967، في رحاب أسرته البسيطة، والعزة التي التمس حروفها في صفوف الإعدادي والثانوي بالمعهد الأزهري.
على حدود سيناء رابط الشاب أيمن محمد حسن الشامي بسلاحه الميري ومحط أنظاره كلها على الحدود الأخرى التي يقبع فيها العلم الأزرق ذو النجمة المتوسطة له يقال عنها ''نجمة داود''، يعرفه جيدًا؛ يقولون إن الحرب معه انتهت وعمّ السلام منذ سنوات يضاف لها عام خدمته العسكرية هذا 1988، لكن النفس تتأجج برؤيته كل يوم ويزيد ما سماع دوي طلقات وقذائف داخل الأراضي الفلسطينية التي مازال يحتلها أصحاب العلم '' الإسرائيلي'' .
عامان و11 شهرًا و17 يومًا هي المدة المخولة لـ''أيمن'' لإنهاء الخدمة العسكرية، وعودته إلى قريته شابًا طامحًا أدى واجبه تجاه بلاده لكن الشهور الثلاثة الأخيرة قلبت موازين حياة ''أيمن'' رأسًا على عقب، عندما سقط العلم المصري في الحدود الفلسطينية المحتلة التي تخضع لجنود إسرائيل بعد أن انقطع الحبل المثبت للعلم؛ فإذا بأحد الجنود الإسرائيلية يلتقط العلم ماسحًا به حذائه، لينجح في استفزاز '' أيمن'' الذي كان يقف في خدمة استطلاع.
استشاط ''أيمن'' غضبًا لفعل الجندي، لكنه كتم أنينه وربط جأشه الذي ما لبث أن انفجر مع فعلة أخرى للجندي ذاته بعدها بأيام عندما أبصره يمارس الجنس مع إحدى المجندات على العلم المصري ذاته الذي سبق أن سقط؛ فتمتم بنفسه ''طلبت موتك يا عِجل'' وعزم الانتقام الذي زادت رغبته مع أحداث مجزرة ''المسجد الأقصى''.
13 شهرًا قضاها ''أيمن'' في قطاع الحراسات الخاصة سهلت له المهمة التي عزم على تنفيذها؛ حيث تمكن من دخول مركز تجميع المعلومات وغرفة المجمع لكيفية صعود نقطة العلامة الصفراء ''82'' التابعة لرأس النقب، وخلال 46 يومًا تمكن من رصد تحركات أتوبيس جيش إسرائيلي، وعلم أنه يمر كل 6 أيام على الحدود إلى داخل العمق الإسرائيلي وهو مؤمن بدوريات إسرائيلية .
اليوم 21 نوفمبر 1990؛ الوصول للثغرة هي هدف المجند المصري الشاب لتنفيذ مهمته؛ فإذا به لا يجد مفرًا من مغافلة الجنود والضباط المصريين، والحصول على 15 خزنة سلاح بعدد 450 طلقة من مخزن الذخيرة، على حد قوله، وما كان نجاحه في عبور الأسلاك الشائكة واختراق الحدود عمق 5 كيلو مترات، داخل الجانب الإسرائيلي بالكافي لكبح جماح غضبه وعزمه على رد الاعتبار حتى جاءت اللحظة التي رأى فيها الأتوبيس المقل لأفراد وجنود وفنيين وطيارين إسرائيليين فعلى الفور قام بإطلاق الرصاص ليسقط 21 إسرائيليًا قتيلًا ويصاب 20 آخرين.
لم يعبأ ''أيمن'' لألم جرح رأسه الذي أصابه جراء طلق ناري، كما لم يعبأ بمحاكته عسكريًا التي تمت بعد تسليم نفسه فور عودته للمنطقة المركزية؛ حيث حكم عليه بالسجن 12 عامًا مع الشغل والنفاذ، ولا لخبر قضايا التعويض التي رفعتها إسرائيل عليه طالبة 51 مليون جنيه لأسر القتلة والمصابين الإسرائيلين، بل للتعامل معه فور خروجه من السجن بعد قضاء ''ثلاثة أرباع المدة'' لحسن السير والسلوك، رغم شهادة تأدية الخدمة العسكرية التي حملت وصف ''رديئة'' لدرجة أخلاقة أثناء الخدمة.
10 سنوات قضاها ''أيمن'' في السجن العسكري حتى عام 2000، تم بين جدرانها عامه الثلاثين، وزاد عليه ثلاثة أعوام أخرى، ليخرج حالمًا باستقبال بلدته له كالأبطال أو أقل لا ضير لكن النقيض ما وجده ''أيمن''.
''استلمني أمن الدولة فترة كما لوكنت إرهابي وعكنن عليه عشتي''، قالها الرجل الأربعيني الآن، متذكرًا يوم طرده من مكتب محافظ الشرقية لطلبه الحصول على وظيفه يتكسب منها.
تألم ''أيمن'' للمعاملة ''المهينة'' التي تلقاها وهو لم يطلب سوى عمل يعينه بعد تلك السنوات التي قضاها لفعل ارتضاه لرد اعتبار شرف العلم، لكنه لم يرتضِ للحياة أن تتوقف، فعمل ''سباكًا'' وتزوج ابنة خالته بعد 8 أشهر من خروجه.
''محمد، ندى، فارس''، أبناء ''أيمن'' الذي لا يريد سوى توفير حياة كريمة لهم دون أن يأتي يوم لا يستطيع توفير إيجار منزل يأويهم تحت سقفه كما هو حادث الآن؛ صورة الأبناء لا يفارقها صورة تكريم ''أحمد الشحات''، الذي رفع العلم المصري على سفارة إسرائيل قبل عام لتزيد عليه الحسرات؛ ففي دول عربية ''ليبيا، سوريا، الأردن'' كرموه بإطلاق اسمه على شوارع وميادين ومدارس، على حد قوله، لكن في بلده ''يستعرون مني بمحافظتي للأسف ومهدد بالطرد من منزلي لتراكم الإيجار عليه''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك...اضغط هنا