كتب - أشرف بيومي:
''حياة الحيوانات هناك أفضل من حياة قاطنيها من البشر''.. هكذا همس لي صديقي، مؤكدا أن ''عزبة أبو سويلم'' هي أصعب ما قد تجده على وجه مصر، وانها تستحق لقب ''اسوء عشوائية''.
أثارني الفضول لرؤية هذا المكان، استغرقت الرحلة إلى هناك 20 دقيقة من قرية باسوس التابعة للقناطر الخيرية، وصولا إلى عزبة أبو سويلم، التابعة لنفس المدينة بمحافظة الدقهلية، استقلينا خلالها المواصلة الرسمية للمنطقة ''التوك توك''.
المكان يقع بالقرب من قرية باسوس والتي تعد من أكثر القري إنتاجا داخل القليوبية لوجود العديد من المصانع بها، ويبعد عنها ببضعة كيلومترات قرية أبو الغيط التي تشتهر ببيع المخدرات.
وهناك المكان ينقسم إلى نصفين، جزء على جسر يطل على النيل، يحوي منازل متوسطة المستوي، بينما النصف الثاني الذي يحاذي طريق الجسر هو عبارة عن منطقة غير مؤهلة للحياة الإنسانية وتُعاني من الفقر الشديد.
فالمنازل عبارة عن عشش بدون أي مرافق أو خدمات تُذكر، يتخللها بحيرات من مياه الصرف الصحي والمجاري وتوغل قمم الزبالة في كل سنتيمتر بها، مما أدي إلى تفشي الأمراض والأوبئة.
وهناك التقينا بعبد الرحمن عبد الرازق، رجل في منتصف العقد الخامس من العمر يعيش مع أسرته المكونة من زوجة وولدين وأربع بنات داخل منزل مصنوع من الطين، بدون سقف وبدون مرافق.
استهل ''عبد الرحمن'' العامل بالأجرة اليومية حديثه قائلا أنه يخرج من بيته كل يوم لمحاولة جلب طعام لأسرته ولا يعرف ماذا يخبئ له القدر غدا، فيحاول العمل داخل هذا المصنع لينتقل إلى غيره وهناك أيام يكون فيها بلا عمل وهكذا تسير الحياة معه ''يوم فيه ويوم مفيش'' كما قال.
الأرض الموجود عليها منزله تعود ملكيتها لشخص أخر تركها لهم لزراعتها مقابل مبلغ مالي كل شهر، لكن فجأة باعها هذا الشخص لأخر والذي بدوره يريد أن يخرجهم منها ''لا أعرف إلى أين أذهب أنا وأولادي'' كلمات قالها عبد الرحمن.
وأضاف ''هذه الأرض 4 أسر بتأكل منها عيش أنا وأخويا وأسرتين آخرتين، فكيف سنعيش جميعا إذا أخذوا منا مصدر رزقنا''.
وتابع ''لقد استطعت أن أزوج بنتين من أولادي بمساعدة أولادي الصبيان ولكن الأبن الكبير تزوج وعمره 25 عاما وتركني والصغير صاحب ال20 عاما دخل الجيش ثلاث سنوات وتركوا لى حمل ثقيل بمفردي وهم البنتين الصغيرتين شيرين''17 عام'' وناهد''12 عام'' ووالدتهم مريضة تعاني من السكر والضغط والتهاب الكبد الوبائي وأطرف جميع ما أملك على علاجها''.
واستطرد قائلا ''لم أسطع أن أحصل على قرار علاج على نفقة الدولة مع أنني من معدومي الدخل تماما ولكن الروتين والإجراءات حالت دون ذلك''.
وأضاف ''بالنسبة للمنزل الذي نعيش به يوجد أمامه قناة من مياه الصرف الصحي التي تأتي من الترعة الرئيسية أمامنا مباشرة، وهذه القناة كفيلة بجلب الأمراض لنا ولأولادنا''.
وتابع ''لا يوجد سقف على المنزل لأنه عبارة عن خوص ومجموعة من الخشب، إضافة إلى أن الحوائط مصنوعة من الطين والتي تجلب لنا الثعابين والفئران، فأنا لا أخاف على نفسي وإنما علي أولادي وزوجتي ولكن ما باليد حيلة، إذا لم أجلس هنا سأكون في الشارع''.
وأوضح عبد الرحمن أن المكان كله لا يوجد به مياه صالحة للشرب إلا في منزلين فقط يقوم جميع الناس المحيطة بهم بملئ الجرادل منهم لاحتياجاتنا.
وأردف ''لقد أخرجت جميع أولادي من المدارس نظرا لقلة الإمكانيات، ولم أستطع تعليمهم بالمجان فالدولة لا تقف بجوار أحد''.
وبنبرة تملؤها الأسي قال''نحن نعيش هنا كالموتى فالمقابر أرحم من هذا المكان الذي يمتلئ بالناموس والبعوض من مياه الصرف الصحي، ولا يوجد حتي لدينا حمام داخل المنزل ، فهل هذه حياة تصلح للبشر''.
واختتم حديثه قائلا '' أتمني أن تلتفت الدولة لهذا القطيع المهمش من البشر، لأنه يوجد العديد من الناس الذين يعانون من مشاكل تشبه حالتي، لكن الدولة لا تأخذهم بنا شفقة''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ... اضغط هنا