كتبت - نوريهان سيف الدين:
رغم مرور 75 عامًا على رحيل ''أتاتورك''، إلا أنه لا يزال حاضرًا بقوة في المشهد السياسي التركي، مظاهرات ''تكسيم'' أعادته من جديد على الساحة، ورغم اختلاف الآراء حول دوره في تغيير خارطة القوى الإقليمية والإسلامية على وجه التحديد، إلا أنه رسم خطًا عريضًا، وأسس لدولة تعد الآن من القوى الإقليمية الصاعدة على الساحة الدولية.
29 أكتوبر الجاري، مرّ 90 عامًا على إنهاء ''الخلافة الإسلامية'' عام 1923، والمتمركزة في ''الإمبراطورية الإسلامية العثمانية''، و ظهور ما يعرف بـ''الجمهورية التركية'' على يد مؤسسها الأول ''مصطفى كمال أتاتورك''، الإمبراطورية التي عاشت أكثر من أربعة قرون في أرض العثمانيين، واتسعت خلالها خريطة الدولة الإسلامية من خلال الفتوحات لتدق أبواب أوروبا، وتنافس أباطرتها و قياصر روسيا.
لكنها في النهاية أوهنها الضعف والتآكل، وتكالبت عليها مؤامرات الاستعمار؛ لتسقط أمام القوى الجديدة ''إنجلترا وفرنسا''، وتقسم أراضيها بينهما بعد ''الحرب العالمية الأولى''، وتكون ''القدس'' مسمار النعش في ''عرش الخليفة''.
''أتاتورك'' المولود عام 1881، أتم تعليمه في مدارس عسكرية، وتدرج إلى أن صار ''رئيس أركان'' بالجيش التركي، ورغم حفظه للقرآن الكريم، إلا أنه رأى كيف أضعفت الدولة التركية الفتوحات المستمرة، وأن تركيا قدمت شبابها للحروب مقابل اتساع سلطانها، و أنه لا مزيد من الفتوحات؛ بل خسائر متتالية وتكالب القوى على عرش السلطان الخليفة، فرأى أن ''القومية التركية'' قد آن أوانها بعد تضاعف ''القومية الإسلامية''.
''الحرب العالمية الأولى'' كانت نقطة التحول، وفقدت فيها ''الإمبراطورية العثمانية'' الكثير من أراضيها، وبموجب اتفاقيات ''سايكس - بيكو''، قسمت الأراضي في المشرق العربي رسميًا لقوى ''الإنجليز والفرنسية''، وفي نفس الوقت نشبت ''حرب الاستقلال''، وانتهت بوضع ''ميثاق لوزان'' عام 1923، وبموجبه تأسست ''الجمهورية التركية''.
''من الشريعة الإسلامية للعلمانية''.. هكذا تحولت الدولة الجديدة؛ فبعد قرون من تفاخر تلك الأراضي بحملها لراية الإسلام واحتكامها للشريعة الإسلامية في حكم الدولة، تحولت السياسة إلى ''العلمانية'' رغبة من ''أتاتورك - السياسي و رئيس الوزراء قبيل انهيار السلطنة في عهد عبد المجيد الثاني''، في الانضمام للقوى العظمى الأوروبية الجديدة.
حتى ''الحروف العربية'' التي كانت تكتب بها اللغة التركية أبدلها ''أتاتورك'' بالحروف اللاتينية، وكان ينزل بنفسه للمدارس الشعبية ليشارك المعلمين في تعليم الشعب كيفية الكتابة بالحروف الجديدة، وبعد إجراء الانتخابات الرئاسية، صار ''أتاتورك'' أول رئيس لتركيا، واستمر في منصبه لثلاث دورات متتالية، كتب خلالها الدستور التركي.
''أتاتورك'' والتي تعني ''أبو الاتراك''، ترك بصمة واضحة في حياة الشعب التركي، وخلف وراءه إرثًا سياسيًا لا يزال حاضرًا حتى اليوم، ورغم صعود نجم التيار السياسي الإسلامي داخل تركيا، والنزعة إلى تبني مواقف وسطية خاصة مع جيران العرب والدول المسلمة، إلا أن ''الأتاتوركيين'' لا يزالوا يطالبون بعودة تركيا من جديد لسابق عهدها.
وظهر هذا في مظاهرات ''تكسيم'' الأخيرة، والتي تحولت من مطالبة بمنع تحويل ''حديقة عامة ومتحف وتمثال لأتاتورك'' ليصبح مشروعًا معماريًا ومدنيًا، وعلا صوت المطالبة برحيل ''أردوغان'' بعد ذيوع أنباء إمكانية ترشحه ليخلف ''جول'' في الرئاسة التركية.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة..للاشتراك...اضغط هنا